القائمة الرئيسية

الصفحات

الآن، بإمكانكم إرسال الفقرات والأعمال الابداعية التي ينجزها تلاميذكم ونحن نتكفل بنشرها في موقعنا

 


شروط النهضة

     الحضارة حالةٌ متقدمةٌ للمجتمع الإنساني تجاوز فيها حالة الفوضى ووضع أسسًا تنظيميةً لحياة الناس، مما ينشر نمط حياة أكثر راحةً ويفتح مجالات تفكيرٍ وعمل أكثر أمامهم في مجالات التعليم والفنون وغيرها. تشكّل فكرة الحضارة المحور الرئيسي والإطار الأساس الذي تدور حوله وفي نطاقه أفكار المفكر الكبير مالك بن نبي، فمشكلة كل شعب هي في جوهرها مشكلة حضارته، ولا يمكن لشعب أن يفهم أو يحل مشكلته ما لم يرتفع بفكرته إلى الأحداث الإنسانية، وما لم يتعمق في فهم العوامل التي تبني الحضارات أو تهدمها. فما هي شروط النهضة عند مالك بن نبي؟ 

    إن النهضة عبارة عن دورة تاريخية تنقسم إلى ثلاث مراحل؛ المرحلة الأولى هي مرحلة الروح وفي غالب الأحيان يسيطر عليها فكر ديني او فكر أخلاقي ينقل الناس من جهلهم و بربريتهم وإتباع أعمال غريزتهم إلى الإيمان القوي بفكرة معينة مثل الاسلام الذي نقل الشعب من الجاهلية إلى الإيمان بمبادئ الإسلام أو اليابان المُدمَّرة من الحرب ثم شحنت شعبها بأفكار حب العمل الجماعي والأخلاق والقيم، فالإيمان القوي للشعب بفكرة والروح العالية تصنع العجب، كعمار بن ياسر الذي كان يحمل حجرين على كاهله عوض الحجر الواحد لبناء المسجد فلا العقل ولا الغريزة تتحمل هذه الآلام، وأيضا الروح العالية للشعب الألماني بعد الحرب جعلت النساء يعملن لأكثر من 9 ساعات يوميا - عملا لا يتحمله الرجال - في إزالة الركام من مخلفات الحرب فالإيمان بالفكرة وروح العمل تجعل الشعب يعمل عملا مضاعفا لفائدة الصالح العام وهو سعيد، المرحلة الثانية هي مرحلة العقل يعلو فيها صوت العقل على كل شيء، تتميز هذه المرحلة بالتوسع في الانتاج الفكري في البلاد كالنهضة الإسلامية بعد انتهاء فترة الخلفاء الراشدين، انتهت مرحلة الروح وبوصول الأمويين إلى الحكم بدأت مرحلة العقل وتسيَّد المسلمون العالمعلميا بقيادة علماء كابن خلدون وابن سينا والفارابي، المرحلة الثالثة هي الغريزة وفيها تكشف الغريزة عن وجهها تماما وتصبح هي المسيطرة على الإنسان لا الروح ولا العقل، ويصبح الفكر الديني و الأخلاقي عاجزا ومجرد حبر على ورقة لا تأمر بمعروف ولا تنهى عن منكر ولا تحد من يطبقها فيصبح المجتمع منحلا، يريد الإمارة حتى ولو بالخيانة والإجرام، يريد المال حتى ولو بالنهب والسرقة، يريد شهوات حلال أو حرام، وتغط الأمة في ظلام السبات العميق فالغريزة هي المسيطرة على دول العالم الأول أما نحن فمشاكلنا مختلفة تماما عن مشاكله فتقليدنا الأعمى لهم تضييع للوقت ويصفه مالك بن نبي بالجهل و الإنتحار، فمشكلة غياب الفكرة زرعت فينا فكرة : الحقوق تؤخذ ولا تعطى، وبعد ظهور السياسة أصبحنا نجلس في المقاهي أو في الشوارع نردد : أعطونا حقوقنا حتى لو كنا كسالى، فالحق ليس هدية تهدى ،بل نتيجة لآداء الواجب، فالأمة تنتقل من السبات العميق إلى النهضة بإتباع طرق سليمة. عند ملاحظة الجهود المبذولة للنهضة في القرن الماضي باءت بالفشل ،لأنها محاربة للأعراض وليس المرض كشخص مصاب بمرض جرثومي نتج عنه أعراض كالحمى وصداع الرأس، لكن الطبيب لا يقوم بمحاربة المرض بل يحارب الأعراض، نفس الشيء في العالم الإسلامي فيأتي رجل يرى أن المشكلة في الاقتصاد فيبني مصنع، ويأتي رجل سياسة يرى أن الحل في تغيير نظام السياسة كله، وهكذا نبقى نحارب الأعراض ولم نحصل على النهضة الحقيقية، لأننا لم نواجه المشكلة الأساسية لذلك يرى مالك بن نبي أن حل مشكلة النهضة من جذورها يقتضي حل ثلاثة مشاكل:الإنسان والتراب والزمن، إضافة إلى مُركِّب الحضارة (الأفكار الدينية والأخلاقية) الذي يمزج العناصر الثلاث مع بعضهم؛ كالتحول الكيميائي للماء: هيدروجين + أوكسيجين = الماء.

 نمر إلى العناصر الثلاث :أولا الإنسان، يؤثر الفرد في المجتمع بثلاثة أشياء: فكره وعمله وماله، الفكر يتجلى بالثقافة فلا نعني بها المعرفة والعلم بل هي السلوك، وقد يكون فردين في المجتمع، الأول متعلم طبيب والثاني راعي أغنام ،لكنها يحملان نفس الثقافة وهي ثقافة المجتمع الذي يعيش فيه مثل سنغافورة التي كانت من أقدر الدول، حيث تكثر فيها المستنقعات والنفايات لأن ثقافة الشعب مبنية على القدارة لكن أصبحت الآن أنظف من الدول الغربية وأمريكا بحد ذاتها، بسبب سن قوانين صارمة، ثانيا توجيه العمل فنحن نملك العقل المجرد ولكن العقل التطبيقي يكاد ينعدم إذ أن المشكلة تكمن في كثرة الثرثرة دون تطبيق، ومن أجل قيام أي نهضة يجب ترك الكسل والخمول وإطلاق كل الأفكار المجردة ،ثالثا توجيه رأس المال، فالمال في البلدان المتقدمة اقتصاديا يكون على هيئة رأس مال متحرك في شكل استثمارات وليس  مال ثابت مكدس غير مستغل، رأس المال اءا يجب أن يُستغل لأجل المصلحة العامة أي مال متحرك متنامي يدخل ضمن الثروة الإقتصادية وأحسن مثال للتوضيح هو التجربة البرازيلية حيث كان 10% من السكاني يملكون جل ثروات البلد و90% من البلد في حالة فقر مذقع، وكانت المحاولات في النهضة تبوء بالفشل لأن الشعب قدرته في الشراء محدودة، ولكن عند مجيئ الرئيس الجديد أخد من مال الأغنياء ووزعه على الفقراء بمقابل تسهيل الاستثمار وتخفيض الضرائب على الأغنياء ،فالأموال التي يكتسبونها يستثمرونها في الزراعة والصناعة ... فانتقل الاقتصاد البرازيلي من الفقر إلى النمو السريع. العنصر الثاني هو التراب: يتمثل في الاستغلال الرشيد للثروات والموارد الأولية التي منَّ الله بها على البلاد كالبترول والحديد وغيره، بالإضافة إلى التركيز على الخضورة بالزراعة والتشجير فهي ثروة وجب استغلالها على الصالح العام، وآخر عنصر لتحقيق الحضارة هو الزمن: حيث يتمثل في 24 ساعة يوميا تمر على جميع الأمم، فإما أن تكون ثروة تغدي نشاط الأمة وإما تذهب هباء، ولا تستطيع أي أمة تحطيم دقيقة واحدة أو الرجوع بالزمن لكن أمتنا لا تعطي له أي قيمة ويمر علينا مرور الكرام دون استغلال، لذلك يجب تربية جيلنا والجيل القادم على تقدير الوقت كأثمن و أغلى ثروة نملكها، ولو خصصنا ساعة واحدة في اليوم من أجل الدولة لكنَّا تقدمنا تقدما عظيما، ومن الصعب أن يسمع شعب ثرثار الصوت الصامت لخطى الوقت الهارب.

    تغيير ذهنية الإنسان يغير التاريخ لقوله تعالى {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ}

✅ بقلم: بُوعنَان هَالَة.

✅ بلدية سيدي مزغيش، ولاية سكيكدة.

✅ متوسطة علال بلوصيف.


أنت الان في اول موضوع
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات