القائمة الرئيسية

الصفحات

الآن، بإمكانكم إرسال الفقرات والأعمال الابداعية التي ينجزها تلاميذكم ونحن نتكفل بنشرها في موقعنا

قراءة نقدية في الرواية الحائزة على جائزة البوكر العالمية في 2020م: الديوان الاسبرطي



قراءة ونقد رواية #الديوان_الاسبرطي الحاصلة على جائزة الرواية العربية العالمية (البوكر) طبعة 2020م لصاحبها الروائي الجزائري عبد الوهاب عيساوي.


رواية تاريخية تروي أحداثا بين سنة 1815م و1833م مع تركيز على فترة 1830م حتى 1833م، على أرض المحروسة (الجزائر) وفرنسا وجل أحداثها على أرض الجزائر، اختار لها الرواي عنوان الديوان الاسبرطي وهو عنوان مذكرات "كافيار" عن أيامه في الجزائر.تروي الرواية صراع الجزائرين - العثمانيين - الفرنسيين وقد أبرز الكاتب موقف كل طرف من خلال الشخصيات الخمس الأساسية التي اختارها لروايته:

1 - ديبون: مراسل صحفي فرنسي في جريدة "لو سينافور دو مارساي" مثلت هذه الشخصية وجهة النظر المعتدلة الفرنسية، اذ رفض ديبون السياسة القرنسية المنتهجة في الجزائر؛ تهديم بعض المساجد وتحويل أخرى الى ثكنات، مصادرة أراضي ومساكن الجزائريين، والروح الشيطانية لذا الجيش الغازي ممثلة في القائد كافيار، وتأثر ديبون لأنهار الدم التي سالت في المعارك وتمنى لو أنها لم تحصل حبا في الانسانية متأسفا على عدم تجسيد وعود فرنسا لتحصير الجزائر !!

2 - كافيار: قائد عسكري فرنسي متطرف وشيطاني لا يعترف بالإله بل يقدس "نابليون بونابارت" أكثر من أي شيئ، عمل كافيار في الجيش النابوليوني وشارك في معركة واترلو ضد البريطانيين في نهاية 1814م أين هزم الفرنسيون، ليتعرض بعدها كافيار للأسر من الأتراك ويقاد الى الجزائر أسيرا أين تعرض للإهانة والأسر والأعمال الشاقة وبترت اصبعه مما ولد عنده رغبة جامحة في الانتقام ووعد بأن تقطع آلاف الأصابع مقابل اصبعه وأن النهر (الجيش) سيجرف المحروسة انتقاما. خرج كافيار من الأسر وسكن بيت القنصل السويدي وراسل القنصل دوفال الفرنسي ووضع هواش اضافية مفصلة لمخطط بوتان لغزو الجزائر واصفا المسالك من سيدي فرج الى القصبة وخصائص القبائل وتنقلاتهم ومواطنهم...

3 - ابن ميار: شخصية كرغلية (جزائري من أصول تركية) وطني جظا ومحب للجزائر ورافض للاحتلال الفرنسي، ناضل طويلا من 1830م حتى بعد نفيه لاسترجاع الجزائر واقامة دولة قومية، انتهج في نضاله الأسلوب السياسي السلمي عبر العرائض والشكاوي وكون صداقات مع بعض الفرنسيين منهم ديبون وحتى دي بورمون ودخل المجلس البلدي للعاصمة لمنع تهديم المساجد وسرقة ممتلكات الجزائريين، نتيجة لذلك قدمت اللجنة الافريقية للتحقيق في 1833م وكانت النتيجة سلبية ونفي على اثرها ابن ميار من الجزائر في نفس السنة.

4 - حمة السلاوي: جزائري صديق لابن ميار لكنه يخالفه كليا في الفكر، فالسلاوي ثوري رافض للوجود العثماني والفرنسي (ابن ميار كان راغبا في استمرار العثمانيين)، كان السلاوي في صراع مستمر مع اليولداش وشارك في معارك الدفاع عن الجزائر ثم انضم لجيش الأمير عبد القادر.

5 - دوجة: فتاة جزائري ريفية تعبر عن وضع الجزائر والجزائريات نهاية العهد العثماني، دوجة فتاة فقدت مل عائلتها، روت قصتها بشكل عاطفي يبعث على الاشفاق عليها وعلى نساء عصرها، انتقلت الى المحروسة بعد أن تيتمت أين وجدت الذئاب تنتظرها فأدخلت للمبغى غصبا عنها حتى أخرجها منه السلاوي الذي وقعت في حبه، ولعل الراوي هنا قد أدرج دوجة لاضفاء رموية تشبيهية فدوجة هي الحزائر المغتصبة من العثمانيين والفرنسيين حسبه.

لهذا التنوع جانب ايجابي ابداعي وآخر سلبي، أما الايجابي فهو تنوع اللوحات القصصية وعرضه لعدة آراء حول الوجود العثماني بين داعم (ابن ميار) له وبين رافض له (السلاوي) وحول موقف الفرنسيين من الغزو فديبون رفض كليا العمليات الاجرامية (نبش القبور ونقلها لفرنسا، نفي الجزائريين، انتهاك الحريات ...) أما كافيار فمثل الموقف المتطرف الاجرامي (سكت عن نبش القبور وسرقة كل ما هو ثمين من منازل البلد بعد الغزو رغم عهد الأمان الذي أمضاه الفرنسبون..) فالراوي اذا عرض الرأي ونقيضه.
 أما الحانب السلبي فهو وقوع الكاتب في التكرار اذ أن الحدث يتكرر سرده على لسان عدة شخصيات.وتجدر الاشارة الى أن كل الشخصيات الواردة في الرواية هي شخصيات حقيقية: ابن ميار هو حمدان بن عثمان خوجة، ميمون هو التاجر اخمد بوضربة الذي كان يملك ضيعات في الجزائر وحوانيت في مارسيليا وكان أقرب للفرنسيين منه الى الجزائريين وخدم مصالحه على حساب مصالح البلد. أما كافيار فقد ذكره حمدان خوجة (ابن ميار) في كتابه المرآة الذي كتب وقدمه للفرنسيين المعارضين لاحملة ( وهو ذلك الكتاب الذي أحرقه كافيار سنة 1833م عند قدوم اللجنة الافريقية للتحقيق في الأوضاع) لكن خوجة سمى كافيار بحرف ه‍... ولم يذكر كل الاسم .... أما بقية الشخصيات فأعطاها أسماء حقيقية كالباشا حسين، بوتان الجاسوس، القنصل دوفال، الامبراطور نابليون، الدايين علي خوجة وعمر باشا الذي حكما قبل الدتي حسين والآغا يحي الذي وصف بأنه أكثر القادة حنكة في تاريخ الحزائر العثماني من طرف حمدان خوجة ...

كل الأحداث والتواريخ صحيحة: حادثة المروحة 1827م، الحصار الفرنسي للجزائر 1827م - 1830م)، تحضيرات الحملة من ميناء طولون من نهاية ماي وسيرها وتوقفها في ميناء ماهون الاسباني ثم بالما في الأسبوع الأول من جوان ووصولها للجزائر في نهاية الأسبوع الثاني كل ذلك صحيح تاريخيا، المعارك المذكورة في سيدي فرج، سطاوالي، حصن الامبراطور أيضا حقيقية، اضافة لمسألة الديون...فالرواية مبنية ككتاب تاريخي صحيح بأسبوب أدبيالرواية فضحت الممارسات الفرنسية من سرقة لعظام الموتى، نقض معاهدة الاستسلام التي وعد فيها بضمان حرية الدين وأمن السكان وممتلكاتهم ثم هدم المساجد ونهب المنازل والأراضيوضح الكاتب على لسان ديبون أسباب الخملة الخقيقية وهي #المال والسلطة ونفى أن تكون الحملة لنشر الحضارة في الحزائر كما ادعى القائد العام لاحملة دي بورمون والاعلام الفرنسي.

وضحت الرواية ظروف تحضير الحملة في طولون وتزكية الكنيسة والامبراطور القوي لها وارسال فرنسا لجواسيسها والتخطيط الحثيث للحملة (ارسال الحاسوس بوتان والاعتماد على خطته المدعمة من كافيار الذي صار هو مهندس الحملة الأهم بعدما درس العاصمة وطرقها وعادات سكانها ومواقع الدفاعات والحصون)السلبيات:أسلوب الرواية نوعا ما ثقيل وغير مشوق !! رغم أني لا أطالع كثيرا الروايا الا أن رواية أنتيخريستوس كانت بحق رواية رائعة تجعل قارئها يحس أنه جزء منها.

ما يعاب على الكاتب أيضا من وجهة نظري أنه لم يظهر كل الصورة بموضوعية اذ أبان عن طرف ثوري ثانوي لا وزن له لكنه لم يظهر أهم شخصية ثورية حقيقية آنذاك بل أشار اليها فقط وعو الأمير ويقصد به الأمير عبد القادر. وبالتالي الموقف الأكثر وطنية من بين كل المواقف قد غاب عن الرواية.خاض الكاتب في مواضيع كسرت حاجز الحياء وبالغ كثيرا في تكرار وصف لمواقف لدوجة والمزوار ووصف جسد المرأة بالتفصيل !! ولا شك أن الراوي فعل ذلك لعلمه بذوق ملايين القراء فكتب ليروج لروايته على حساب العرف !!المطلع على الرواية يحس أن الراوي عدو للفرنسيين كما هو رافض للوجود التركي أيضا (احتلال) كما لا يغيب عن القارئ أن الراوي حاول ايصال فكرة ظلامية جدا عن الجزائر في العهد العثماني فالمجتمع متخلف أنهكه الفقر وغاب عنه الأمن، الرجل شهواني، المرأة بغي...) وهو ما يخالف تقريبا كليا الحقيقة فالعاصمة كما وصفها حمدان خوجة في كتاب المرآة وويليام شالر في كتابه sketches of Algiers مناقضة كليا لما حاول عيساوي ايصاله فشالر كتب أن الحزائر كانت أكثر مدينة أمنا في العالم !! ولعله من الصدف أن يتفق رأي الكاتب عيساوي مع رأي المؤرخين الفرنسيين في هذه الجزئية

بقلم الأستاذ عبد النور خالد
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات