القائمة الرئيسية

الصفحات

الآن، بإمكانكم إرسال الفقرات والأعمال الابداعية التي ينجزها تلاميذكم ونحن نتكفل بنشرها في موقعنا

تعريف المصدر والمرجع، أنواعهما واستعمالهما

 




تعريف المصدر:

تتفق الأبحاث والدراسات النظرية لمجال البحث التاريخي على أن التاريخ ليس كل الماضي، وإنما هو ما علق من الماضي في الذاكرة. وإذا كان لكل باحث علمي عينة اشتغال فإن العينة التي يشتغل عليها المؤرخ هي كل ما علق في الذاكرة من ماضي يكون محددا زمكانيا. من هذا التعريف ننطلق في فهم حقيقي للمصدر التاريخي.

المصدر في اللغة من الفعل الثلاثي صدر عكس ورد ... أي جاء من الأصل، والمصدر التاريخي اصطلاحا هو المادة الخبرية الصادرة من الماضي التاريخي الدالة على وقائعه أو مظاهره سواء كانت مادية أو شفوية أو وثائقية مدونة. فالمصدر هو أصل الخبر وأوله، يقرأ المؤرخ أنساقه وسياقه وفق منهجه وفلسفته، أو رؤيته للكون والأشياء. فالمصدر هو الأساس الأول الذي يشتغل عليه المؤرخ مثل المدونة الأدبية بالنسبة للناقد الأدبي. 

فلا تاريخ بذون أصول، والأصول لدى المؤرخ هي جميع الآثار التي تركها الإنسان أو كان فاعلا في تشكلها في الحقبة المدروسة. وهي أيضا تلك النصوص الكتابية أو الشفوية نثرية كانت أو شعرية، منقوشة على الصخر أو مكتوبة على الورق أو الجلد، أو الخشب، أبجدية أو رسومات ترميزية أو إشارات إيحائية، تتضمن مادة خبرية ما حول موضوع الدراسة ومعاصرة له أو قريبة زمانيا منه. حيث أتيحت لمن صاغها أو شكلها شروط العلم بخبر الحقبة موضوع الدراسة تواترا، أو نقلت عن أصول أخرى مندثرة لم تصلنا.

والمصادر التاريخية أنواع مختلفة مثلما أسلفنا، نحاول التفريق بينها فيما يلي:

أ-المصادر المادية:

وهي الأصول الشاهدة على حقب التاريخ الإنساني شهادة حية، تلمس باليد ونتحسسها عيانا. وهي قرائن قد توفر لنا معلومات واضحة جدا حول مختلف مناحي الحياة البشرية، وجميع أفعال الإنسان في حقبة ما، التي قام بها من أجل تحقيق جميع رغباته البايلوجية، من مأكل وملبس ومسكن، وجميع أفكاره التي تتجلى من خلال تلك التغيرات التقنية التي يمكن ملاحظتها في أدوات الممارسة اليومية ووسائل عيشه.

وتختلف نوعية تلك المواد من حيث معدنها وشكلها وغايتها، حيث يستطيع المؤرخ اللجوء إلى علم الآثار كعلم مساعد لفهم هذه الأصول، وتزمينها وقراءة التطورات والتغيرات التي يمكن أن تستشف منها. مثلما يلجأ إلى خبراء الجيولوجيا وعلماء المادة للقراءة الفيزيولوجية للمعادن والمواد الصلبة. إلا أنه مع تطور ميادين المعرفة أصبح المؤرخ بإمكانه الاعتماد على خبرات البيولوجيين والأطباء وعلماء التشريح ومخابر الدراسات الجينية لمزيد من التعمق في قراءة الشواهد الأثرية. وهو ما تجاوز تلك الصورة النمطية للآثار على أنها عبارة عن لقى حجرية أو تماثيل أو أي أغراض أخرى معدنية، تعود إلى حقب زمنية موغلة في القدم. وأصبح من الممكن اعتماد الشواهد المادية مثلا في الدراسات البيوغرافية للشخصيات المعاصرة، أو في الاستقصاء التاريخي لأحداث قريبة جدا زمانيا، مثل مجازر الصرب في سيربرينتشا، أو مجازر الفرنسيين في الجزائر.

وللتوضيح فإن المصادر المادية الأثرية منها ماهو محفوظ في المتاحف أو الأرشيفات، إذا كانت مواد ورقية، ومنها ماهو معروض في الهواء الطلق، في الحدائق العامة، أو باق في مكانه الأصلي كالشواهد والأضرحة الجنائزية، والعمائر المختلفة. ومنها ما تمت دراسته ومنها ما لايزال بعيد عن متناول الدارسين.

ب-المصادر الكتابية:

المصادر الكتابية هي جميع الأصول التي تحمل نصوصا، ولا يمكن الاتفاق على تعريف ثابت للنص التاريخي، فقد وردت الكثير من التعاريف التي يمكن من خلالها تركيب تعريف ينسجم تماما مع مقتضيات المنهج التأريخي المعاصر. ولذلك فالنص التاريخي هو كل وثيقة مكتوبة شاهدة على الماضي البشري مهما كانت لغتها وشكلها.

فقد تكون مكتوبة على ألواح الطين المشوي، أو منقوشة على صخور أو جدران كهوف صخرية، أو على قواعد التماثيل أو شواهد قبور. أو على قطع حلي أو أواني منزلية. وتحتلف لغة هذه النصوص، فقد تكون رسومات إيحائية ترميزية، أو هيروغليفية، أو أبجدية معينة. وقد تكون نصوص مدونة على ورق البردي أو الصيني، أو على جلود الحيوانات. وقد تكون كتبا مطبوعة أو أقراص مضغوطة لأصول مخطوطة. يشترط فقط وثوقية معاصرتها للزمن قيد الدراسة أو قربها منه. 

وبالنسبة للنصوص التاريخية فقد يتبادر إلى ذهن الباحث المبتدئ أو الهاوي أو القارئ العادي، أنها نصوصا إسطوغرافية في العادة، تؤرخ لموضوع ما أو لأحداث التاريخ الإنساني عموما، وهو أمر شائع. والحقيقة فإن الأصول الكتابية تتنوع اختصاصاتها واهتماماتها. فقد تكون أدبية كالأشعار والملاحم ونصوص الخطابة والمقامات والرسائل. أو شرعية كالقوانين والعقائد والنوازل والمدونات الفقهية، والكتب المقدسة. أو نصوصا تعنى بالطرائف وأخبار المجتمع والمعاش والاقتصاد والسياسة، وغيرها.

وهذا النوع من المصادر هو الذي تسميه المدرسة الوضعانية باسم الوثيقة، وتقدمه على جميع الأصول الخبرية، إلى درجة التقديس، وهنا نستحضر عبارة وردت في كتاب لانغلوا وسيبونوس حول منهجية التاريخ: "....التاريخ يصنع من الوثائق والوثائق هي الآثار التي خلفتها أفكار السلف وأفعالهم، والقليل جدا من هذه الأفعال والأفكار هو الذي يترك آثارا محسوسة، إن وجدت فنادرا ما تبقى؛ لأن عارضا بسيطا قد يكفي لزوالها، وكل فكرة أو فعل لا يخلف أثرا مباشرا أو غير مباشر طمست معالمه، هو أمر ضاع على التاريخ، كأن لم يكن البتة، بفقدان الوثائق صار تاريخ عصور متطاولة من ماضي الإنسانية مجهولا أبدا، إذ لا بديل عن الوثائق، وحيث لاوثائق، فلا تاريخ". وهنا لا يقصد فقط الوثائق الإدارية والدبلوماسية المتعارف على حفظها في دور الأرشيف. وإنما كل ما تم التوثيق فيه لخبر ما، بما فيه الكتب مخطوطة كانت أو مطبوعة.

ونظرا لأهمية الوثائق الأرشيفية كمصدر مهم جدا للتاريخ السياسي والإداري والثقافي فقد أولت لها المدرسة الوضعية أهمية بالغة. ذلك لأن الوضعانيون وضعوا نصب أعينهم بناء الدولة الوطنية، فأولوا الاهتمام للذاكرة الوطنية، فأحالوا القداسة على الوثيقة الرسمية التي تنتجها الدولة الوطنية دعما لإيديولوجيتها. وساهموا بذلك في دعم الأرشيف ليتحول إلى أبرز مؤسسات الدولة ورموزها.

وفي الحقيقة فحتى وإن كانت أهداف الوضعانية هي دعم إيديولوجية الدولة الوطنية وذاكرتها الرسمية، فإن تحولات المناهج التأريخية نحو الاهتمام بالتاريخ الاجتماعي والاقتصادي والذهني قد غيرت من رؤية المؤرخ للوثيقة، لتدفعه نحو البحث عن الأنساق الثقافية والاجتماعية فيها، وتجنب المنظار السياسي. وأضحى الأرشيف مصدرا لوثائق خصوصية تؤرخ للحياة اليومية والذهنيات، ومذكرات شخصية، ومختلف الوثائق كالرسائل والنوازل وقصاصات الموثقين.

ج-المصادر الشفوية:

يعتقد خطأ أن المصادر الشفوية هي تلك النصوص التي يمكن فقط أن نستغلها في التأريخ للأزمنة المعاصرة أو الحديثة، حيث لا يمتد الزمن طويلا، فنجد مبتغانا من المرويات الشفوية لدى أفراد عاشوا بعض الأحداث والظواهر فينقلون إلينا أخبارها، أو يتواترونها عن آخرين عايشوهم أو عايشوا من عايشوهم. 

فالمصدر الشفوي أوسع من ذلك، وهو ليس مجرد خبر يروي، ولكنه أيضا نصا يُتلى. فقد يكون تراتيل دينية، أو ترانيم روحية، وقد يكون أهازيج تحميس، عادة ما يرددها الفلاحون في أنشطتهم اليومية، أو عمال المقالع الحجرية. وقد يكون أحجية أو حدوثة أو حكاية شعبية. أو شعرا ملحونا أو فصيحا، أو أمثالا وحكما أو ألغازا. إن المصدر الشفوي هو كل نص يحمل أنساقا خبرية معلنة أو مضمرة وصلنا متواترا، ولم يدون.

وقد ساهمت التحولات الابستيمولوجية في بروز ما يعرف بالتاريخ الشفوي، الذي كللت مخابره المختصة بحفظ التراث الشفوي الزاخر بأخبار الماضي القريب والبعيد، والتي حفظت بواسطة الوسائل السمعية والبصرية. وأتاحت إضافات أخرى لمصلحة مؤرخ اليوم لم تتح للسابقين. حيث تفيد هذه المصادر التاريخية في تجاوز التأريخ للأعيان وللأبطال وللفضاءات المدجنة، وتعطي كما معتبرا من الأخبار حول المهمشين والمسكوت عنه، والمجالات التي لم تصلها أُطر الدولة وأجهزتها ونظمها، وهي التي مارست أعمال التوثيق عادة.

2- شروط المادة المصدرية: 

يستشكل على الطلاب وصغار الباحثين التفريق بين المصدر والمرجع، أو تحديد الأوعية الخبرية ما إن كانت مصدرا أو مجرد مراجع. وهو أمر شكلي وتقني، لأن الأصل هو الحصول على الخبر الموثوق، إذ تتحقق شرط صدقيته. وإذا عدنا للتعريف اللغوي للمفردة مصدر فنجده أنه: أصل الشيء. ولذلك فإن المصدر هو النص الذي يتضمن أصل الخبر، وناقله الأول أو الأقرب زمانا ومكانا. ويمكن أن نحدد بعض الشروط التي يجب أن تتوفر في النص أو صاحبه حتى يعد مصدرا:

1  مشارك في الحدث ودون الخبر في مذكرات أو شهادة.

2 شاهد عيان عاش الظاهرة أو الحدث ودون أخبارها 

3 معاصر للحدث نقل أخباره التي سمعها أو قرأ عنها في حينها.

4  قريب من الحدث نقل الخبر عنه من مصادر اندثرت شفوية أو مدونة.

ولا تستقيم المعرفة الحقيقية للمصدر التاريخي دون التعريف بالمرجع.

 3- المرجع واستعماله:

المرجع لغة من الفعل الثلاثي رجع ومعناه عاد أو استدرك، والمرجع هو المسافة بين الموضع الأصلي ونقطة الرجوع إليه. أو "الموضع أو المكان الذي يرجع إليه لأعلي مقدم كل شيء وأوله" فالأصل في الاصطلاح هو ما يرجع إليه لاستدراك ما نقص فهمه من المصادر للشرح أو التفسير أو التأويل. 

متى يستعمل المرجع: 

-  للحصول على خبر ورد في مصدر معلوم لم يتح للباحث (وهذه منقصة لقيمة البحث)

-  لشرح ما استشكل أو استبهم في المصادر، مفردة كانت أو بناءً أسلوبيا (القواميس)

- للتعريف بشخصية مادية أو معنوية أو مكان أو نظام أو حيوان أو شيء(المعاجم)

-  لتفكيك نسق معرفي وتوضيح مضامينه المعلنة والمضمرة، أو توضيح فكرة بالاستعانة بإنتاج العلوم الرافدة أو المساعدة للتاريخ، وجميع نظرياتها العلمية، ولتبيان آراء المختصين في الخبر المدروس. فالمؤرخ لا ينطق على هوى نفسه، إنما يحلل أخبارا وردت في مصادر(علقت في الذاكرة) بالاعتماد على آراء السابقين في الموضوع وعلى التنظير العلمي لجوانبه المختلفة.




هل اعجبك الموضوع :

تعليقات