القائمة الرئيسية

الصفحات

الآن، بإمكانكم إرسال الفقرات والأعمال الابداعية التي ينجزها تلاميذكم ونحن نتكفل بنشرها في موقعنا

دراسة كتاب شاهد على إغتيال الثورة للخضر بورقعة

 




اعداد الاستاذ: عبد النور خالد             

للحصول على كل الدراسة + التهميش الكامل راسل صاحب الدراسة عبر حسابه على الفيسبوك  بالضغط هنا: عبد النور خالد



دراسة كتاب " مذكرات لخضر بورقعة: شاهد على اغتيال الثورة "


خطة الدراسة:                       

                                           

التعريف بالكاتب.

التعريف بالكتاب.

ملخص لأهم الأفكار الواردة في الكتاب.

عرض لبعض آراء الكتّاب حول أفكار الكتاب.

نقد وتقييم الكتاب.

1- التعريف بالكاتب سي لخضر بورقعة: الرائد سي لخضر بورقعة، من مواليد 15 مارس 1933م، بقرية أولاد تركي بلدية العمرية ولاية المدية، التحق بالثورة في 1956 وناضل إلى جانب مجاهدين أفداد كسي محمد بوقرة، محمد بونعامة، صالح زعموم   كان قائدا للكتيبة الزبيرية التي حققت انتصارات كثيرة على عدد من الجنرالات والمخططين الاستراتيجيين الفرنسيين، امتلك سي لخضر حس تكتيتي استثنائي وشجاعة هائلة ما مكنه من الحصول على ترقيات سريعة حتى بلغ رتبة "commandant" ليعين بعدها عضورا في مجلس الولاية الرابعة والمجلس الوطني للثورة CNRA.

بعد الاستقلال، في سبتمبر 1962، عين عضورا في المجلس التأسيسي كما انتخب لعضوية اللجنة المركزية لجبهة التحرير الوطني في مؤتمر العاصمة سنة 1964. 

كان الرائد لخضر من معارضي قيادة جيش الحدود ولم يخفي ذلك في أزمة صيف 1962، أين عارض السيطرة على السلطة، ولذلك كان من مؤسسي جبهة القوى الاشتراكية FFS    في 1963 بفلسفة معروفة وهي رفض الحكم الفردي ورفض السيطرة على السلطة بالقوة وتسييرها بأسلوب تسلطي  ، وبعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي قام بها الطاهر الزبيري، اتُهِم لخضر بورقعة بالتواطؤ مع الانقلابيين فسجن حتى 1975م  . 


2- بيبليوغرافيا الكتاب:

اسم المؤلف: لخضر بورقعة 

عنوان الكتاب: " مذكرات الرائد سي لخضر بورقعة: شاهد على اغتيال الثورة "

الوصف الخارجي: غلاف خارجي أبيض عليه صورة للمؤلف.

حجم الكتاب: 361 صفحة (حجم متوسط)

دار النشر: شركة دار الأمة، الجزائر.

الطبعة وسنة النشر: الطبعة الثانية، 8 ماي 2000م 

تحرير: صادق بخوش

تقديم: سعد الدين الشادلي.

أسباب اختيار هذا الكتاب: تمت المفاضلة بين عدة مذكرات مجاهدين: مذكرات علي كافي، مذكرات الطاهر الزبيري، مذكرات احمد بن بلة ... في النهاية تم اختيار مدكرات لخضر بورقعة للأسباب التالية: 

- تفصيل الكاتب الحديث عن أحداث مهمة وجدلية في تاريخ الثورة: مؤتمر الصومام، قضية سي صالح زعموم، أزمة صيف 1962م.

- مشاركة الكاتب في بعض الأحداث التي تحدث عنها بشكل مباشر كقضية صالح زعموم (كان من الشخصيات التي عملت على إفشال المخطط)، مشاركته في أزمة صيف 1962م (قاد إحدى أفواج الدفاع عن العاصمة بعد هجوم جماعة تلمسان عليه) معاصرته وبشكل جد مقرب لأحداث أخرى كمؤتمر الصومام (لم يشارك بشكل مباشر في المداولات) وبالتالي فإننا نعتبر شهادته مصدرا أوليا عن الأحداث التي سرد.

- لم يكن سي لخضر مجاهدا بعيدا عن مراكز القيادة بل كان من قيادات الولاية الرابعة، وبالتالي فقد كان على إطلاع بما يحصل من أحداث في الثورة وخاصة في الولاية الرابعة.

*ملاحظة: بحكم المقياس وحدوده الزمنية، فقد اقتصرت دراستنا للكتاب على فترة 1954 – 1962 فقط وهي الفترة التي اقتصر الحديث عنها في الفصول الخمسة الأولى.

التعريف بالكتاب: "شاهد على إغتيال الثورة" هي مذكرات للمجاهد الرائد لخضر بورقعة أحد قياديي الولاية الرابعة، أصدر المؤلف كتابه كشهادة على ما عايشه من أحداث في الثورة التحريرية وما تلاها من أحداث، غطى الكتاب فترة زمنية ليست بالطويلة من 1956 إلى 1967، خصصت الفصول الخمسة الأولى لفترة الثورة التحريرية، وما بعدها للمعارضة التي عرفتها البلاد بداية من تأسيس جبهة القوى اللإشتراكية ثم إنقلاب 1965 ثم محاولة إنقلاب 1967 وسجن لخضر بورقعة واستنطاقه، تخلل ذلك قراءات نقدية لسياسة بومدين وبن بلة ولبعض الشخصيات التاريخية كمصالي الحاج.

الكتاب عموما عبارة عن وصف شامل وملخص لأهم أحداث الثورة، معاركها وقصص الخيانة فيها وإصرار فرنسا على خنقها بكل الوسائل، كما لم يخفي الكاتب الوجه السلبي للثورة من تكتلات وحرب اغتيالات بين المجاهدين وتسابق دموي للسلطة.

اختار المؤلف عنوانا مناسبا جدا لمحتوى الكتاب وهو الاستنتاج النهائي الذي يصله القارئ، فجعل الفصول الأربعة الأولى كمقدمة عن أهم أحداث الثورة ليبدأ في الفصل الخامس بالحديث عن بداية الانحراف في أهداف الثورة التي تحولت من محاربة عدو مشترك إلى تسابق عنيف إلى السلطة راح ضحيته الكثير من الوطنيين المجاهدين ومن المواطنين بعد 19 مارس 1962، واصل المؤلف تأكيد فرضية اغتيال الثورة بعد الاستقلال بانتقاد السياسة البومدينية التي حرفت مسار الجزائر الديمقراطي.


3- محتوى الكتاب: ضم الكتاب تقديم بقلم سعدي الدين الشادلي، 13 فصلا و13 ملحقا:

اِفتُتِح الكتاب بتقديم بقلم سعد الدين الشادلي لأبرز أفكار الكتاب بشكل مقتضب تلاه مدخل لخص سبب نشر هذه المذكرات وهو الإدلاء بشهادته عن الأحداث التي عاشها كالصومام، الصراع على السلطة بعد 19 مارس، قضية سي زعموم، المخططات الاستراتيجية الفرنسية لاختراق جزائر ما بعد الاستقلال، انقلاب 1965م، محاولة الانقلاب في 1967م...

وقد أكد الرائد بورقعة أن الثورة لم تكن في مقدورها مجابهة مخططات فرنسا لأن القيادات لم تكن في مستوى يسمح لها بذلك وانصرافها للصراع لأجل السلطة الذي تجلى في الصراع بين قيادات الداخل والخارج، الولايات الداخلية والولايات الحدودية، قيادة الأركان والحكومة المؤقتة ما أدى في النهاية إلى انحراف اقتصادي، ثقافي وايديولوجي في جزائر ما بعد الاستقلال بعد ان نجح العدو في التسلل إلى كيانها واغتيال مشروعها. 

الفصل الأول: خصصه المؤلف للولاية التي قضى فيها فترة جهاده، فأكد على الأهمية الاستراتيجية للولاية الرابعة بالنسبة لفرنسا كونها مقر عدد كبير من الكولون ومؤسساتهم، بها مطارات وموانئ... وحتى للجبهة لاحتوائها على الجبال والغابات، ونظرا لهذه الأهمية كثرت فيها المعارك ضد فرنسا والمصاليين. وقد شدَّد المؤلف على الدور الكبير للولاية الرابعة في تنظيم الثورة وحل خلافاتها خاصة في الولاية الأولى، ثم عرج على الانسجام الموجود بين قادة الولاية الثالثة وحاول إسقاط التهم الموجهة لمنظمي مؤتر الصومام  .

الفصل الثاني: سرد المشاكل التي اعترضت الثورة كصعوبة الحصول على السلاح، الذخيرة ،الماء، والسياسة الفرنسية التي شكلت تحديا فعليا للثورة خاصة بعد إنشاء خطي شال وموريس الذين تسببا في خسائر فظيعة للثورة، ثم ينتقل الكاتب لرد فعل الثورة حيث تم تصغير الأفواج مع تكثيف العمليات العسكرية ومحاولة إعادة تنظيم الثورة عبر مؤتمر الصومام والضغط على فرنسا بتنظيم مظاهرات 11 ديسمبر 1960م  .

الفصل الثالث: فصل سي لخضر فيه الحديث في قضية سي صالح زعموم، انطلاقا من التحضير للقاء، أسبابه، إنعقاده في باريس ثم نتائجه، لينتقل بعدها لنشاطه ونشاط قائد الولاية محمد بوسماحة لإفشال مخطط سي صالح ومساعديه  . 

الفصل الرابع: ركز فيه الرائد بورقعة على العوامل التي أدت لنجاح الثورة إنطلاقا من المحافظ السياسي الذي اعتبره المشرف الجبهوي الأول على الشعب فهو المُوَعِّي، المخبر، المدرس، القاضي ... ثم عرج على دور الشعب ككل في الثورة وأكد أنه هو محورها وسبب نجاحها ثم خصص الكلام عن دور المرأة في الثورة ووظائفها كممرضة، مهربة سلاح، فدائية ... لينهي الفصل بالحديث عن الخونة في الثورة وهم المصاليين، أتباع كوبيس وجماعة العميل السعيدي  .

الفصل الخامس: ركز فيه على الصراع بعد وقف إطلاق النار لأجل السلطة بين قيادة الأركان والحكومة المؤقتة ثم بين جماعة تلمسان (بومدين، بن بلة ..) وجماعة تيزي وزو (بقايدة كريم بلقاسم)، ومحاولات التقريب بين طرفي الصراع لمنع الحرب الأهلية، لكن إصرار قيادة الأركان المتمردة على الاستيلاء على السلطة انتهى بغزوها عسكريا بعد الصدام الدامي مع الولاية الرابعة  .


ملحقات الكتاب: أدرج المؤلف مجموعة من الملاحق المهمة:

- رسالة لخضر بوشمعة المسؤول في جهاز المالق للحكومة المؤقتة ينتقد فيها المالق والحكومة المؤقتة بشدة.

- رسالتين لعمي عبد القادر توضحان نجاح عملية غسل الدماغ التي يقوم بهما المكتب الثاني.

- وثيقة اعترافات لمجموعة من القياديين المصاليين المغادرين للحركة الوطنية الجزائرية بعد قضية بلونيس.

- وثيقة عن المحاكم العسكرية والعقوبات التي تفرضها الجبهة.

- وثيقة عن ظروف استشهاد سي محمد بوقرة.

- رسالة من قيادة الجيش وجبعة التحرير إلى سي محمد بوقرة.

- وثيقة لمالك ابن نبي حول استفتاء تقرير المصير وضرورة افهام الشعب محتوياتها وضرورة توضيح كل القضايا التي يلفها الغموض منها اغتيال عمارة علاوة.

- منشور باللغة الفرنسية من الولاية 4 معنون ب: هل سينكرون ذلك؟

- وثيقة فرنسية سرية هل تموقع القوات الجبهوية في "موقورنو" في 1958م

- منشور من قيادة المنطقة الثانية الولاية الرابعة موجه للجان المدن ومسؤوليها.

- منشور عن قيادة أركان الولاية عن الشهيد سي محمد.

- نداء إلى سكان المدية.

- كما ضم المؤلف سيلا من صور المجاهدين في صفحاته خاصة في الفصل الأول.


3- أهم أفكار الكتاب:


3-1. مشاكل الثورة وتعامل الجبهة معها: عانت الثورة من عدة مشاكل منذ انطلاقها، فرغم وجود السلاح إلا أن نقص الذخيرة حال دون القدرة على استعمال ما يتوفر من السلاح، إضافة لمشكل الماء خاصة أثناء المعارك أين عملت قوات المحتل على تسميم المياه في عديد المرات لمنع المجاهدين من استعمالها أو لالقاء القبض عليهم بعد شربها (يحتوي الماء على مادة مخدرة للجسد)، زادت مشاكل الثورة بعد إنشاء خط شال في 1959م ما تسبب في خسائر فظيعة للثورة  من حيث الرحال والمعدات واشتد الضغط العسكري الفرنسي بعد بداية عمليات المسح الشامل للجيش الفرنسي (عمليات كورون) ما كلف جيش التحرير في منطقة جبل سعدية حوالي 5000 شهيد في 1959م، وبسبب صعوبة التنسيق بين قادة المناطق تأخر رد فعل جيش التحرير، إذ إنتهى العدو من خط شال وبدأ عمليات المسح في فيفري 1959 لكن رد الفعل تأخر لنهاية 1959، إذ تم تصغير الأفواج بسبب اللاتوازن العسكري لتفويت فرصة اكتشافها أثناء عمليات المسح كما كثف جيش التحرير العمليات العسكرية ونقلها إلى المدينة لفك الضغط على القرى، وفي هذا السياق، ولتأكيد قدرة الجبهة على تحريك الشعب متى تشاء وكيفما تشاء نظمت مظاهرات 11 ديسمبر 1960. 

لم تكن فرنسا هي الطرف الويح الذي حاربه جيش التحرير، بل حارب أيضا الخونة الذين تسببوا في تعطيل مسار الثورة وكشف تحركات الثوار كالوشاية بموقع المجاهدين قبل الهجوم على قصر البخاري والوشاية بتموقع دورية من الولاية الرابعة كانت متجهة نحو الغرب الجزائري   إضافة لنشاط الجماعات التابعة لمصالي الحاج التي ذبحت العشرات من المجاهدين وشكلت جماعات مسلحة تحارب بها جيش التحرير بالتعاون مع فرنسا وهي جماعة العميل كوبيس، بلونيس والسعيدي  .  

3-2. لقاء الإيليزي: محور القضية هو قائد الولاية الرابعة سي صالح زعموم، تقلد منصبه منذ شهر ماي 1959،  يُعرف سي صالح بحكمته، ثقافته الواسعة وهدوئه. بدأ التحضير للقاء بين سي صالح ومساعديه مع شارل دوغول بلقاءات استباقية سرية بين شخصيات جزائرية (لخضر بوشامة، سي عبد الحليم، سي بونعامة ...) وشخصيات فرنسية (Nicot Tricot. Mathon.)  كان آخرها لقاء  2 جوان بالمدية أين تم الاتفاق على سفر سي صالح وبعض مساعديه للقاء الرئيس الفرنسي في باريس، بعد إتمام الاتفاق تم التوجه في هيليكوبتر نحو الدار البيضاء ومنها إلى فرنسا، ثم أقلتهم 3 سيارات إلى قصر الإيليزي وقد عرفت الرحلة تسهيلات كبيرة لوفد الولاية الرابعة المكون من: سي صالح زعموم، سي لخضر ومحمد بونعامة.

إنعقد اللقاء يوم 10 جوان 1960م، حاور فيه سي صالح الرئيس دوغول الند للند معتمدا على إرثه النضالي منذ 1954 وفشل القوات الفرنسية في القضاء على الثورة بالقوة العسكرية، كان وفد الولاية الرابعة يفاوض بهدف الحصول على مبدأ تقرير المصير وهو ما حصل عليه في نهاية اللقاء، لكن سي صالح أكد أن المفاوضات الرسمية يجب أن تكون مع الحكومة المؤقتة وليس معه (أما دوغول ففاوضهم بإسم فرنسا) لأنه لا يملك حق التفاوض باسم الثورة وأن مهمته ستتواصل لتبليغ الولايات بما تم الاتفاق عليه في حين وعد دوغول بدعوة الحكومة المؤقتة لوقف إطلاق النار.

بعد عودة سي صالح ومرافقيه، بدأت حملة الترويج للقاء الإيليزي، فاتجه سي صالح إلى الولاية الثالثة، لكن انكشاف خيوط اللقاء بعد استدراج لخضر بورقعة وبوسماحة لمحمد بونعامة الذي باح بأسرار اللقاء وأظهر ندمه على العملية التي كادت تعصف بالثورة بعد لقاء جمع ممثلي الولاية الرابعة برئيس الدولة التي تحتل بلادها لقرن وربع ودون الرجوع إلى رأي بقية الولايات، وعندها أعلن بونعامة (نائب سي صالح والمسؤول العسكري) أوامره بعزل سي صالح وحل مجلس الولاية (شُكِل الجديد من قادة الولايات) وإلقاء القبض على المجموعة المشاركة في لقاء الإيليزي، وكان لخضر بوشامة هو أول المقبُوض عليهم (صاحب الفكرة) وبسرعة تم تنفيذ حكم الاعدام عليه دون محاكمة، ثم اجتمع مجلس الولاية وقرر إعدام سي عبد اللطيف بعد مشاركته في لقاء الإيليزي والرسالة التي أوصلها أحد العملاء للثوار على أنها رسالة من الجيش الفرنسي لعبد اللطيف وقد تم تنفيذ حكم الإعدام فيه، ليأتي الدور على سي عبد الحليم، فكان ثالث من أُعدِم من رفاقه ودون محاكمة، حسب سي لخضر فأن وفد سي صالح قد ارتكب خطأ فادحا إلا أنه لم يرقى لدرجة الخيانة والأولى أن لا ينفذ فيه القادة الإعدام.

في ظل تجسيد أحكام الاعدام التزم محمد بونعامة الحياد خوفا على نفسه، أما سي صالح فإن حكم الاعدام لم ينفذ فيه بسرعة بل تم تقييده وأُبقي تحت المراقبة  

3-3. الصراع على السلطة بعد 19 مارس 1962م: وافق المجلس الوطني للثورة في اجتماعه المنعقد بين 22 – 27 فيفري 1926 على وقف إطلاق النار، وقد تم بدأ تجسيد الوقف بداية من 19 مارس، ومعه زاد التسابق نحو السلطة إذ قدم للعاصمة وفد – مريب - من تونس يحمل تعيينات لشخصيات جديدة على منطقتي الجزائر والجزائر الوسطى بإمضاء بن يوسف بن خدة. تواصلت سياسة التكتلات بعد 19 مارس، فانضم ابن شريف (من قياديي الولاية 4) إلى تكتل بومدين – ابن بلة المنافس للحكومة المؤقتة التي كانت قد عزلت قادة قيادة الأركان لكن بومدين ومساعديه لم يلتزموا بالقرار وعزموا على دخول العاصمة ولو بالقوة بعد استفحال الصراع مع الحكومة المؤقتة في مؤتمر طرابلس، فأرسلت قيادة الأركان احمد قايد لضمان دخول جيش الأركان للعاصمة سلميا لكن الولاية 4 فضلت الحياد محاولة تجنب حرب أهليه فتم عقد اجتماع جمع الولايات: 2 – 3 – 4 - منطقة  الجزائر الوسطى وممثلي فدرالية فرنسا، وخرجوا بالقرار التالي: ضرورة توحيد قيادة الخارج صفوفها قبل دخول العاصمة، لكن بن بلة رفض التوصيات وتوجه لتلمسان أين التقى بمحمد خيضر وهناك تشكلت "جبهة معادية لطموح الجماهير" 


أوشكت البلاد على الدخول في حرب أهلية بعد الصدام المسلح في قسنطينة والسيطرة عليها، فحاولت جماعة تيزي وزو (كريم بقاسم وحلفاؤه) إيقاف جماعة تلمسان، فتشكل مكتب سياسي جديد غاب عنه ممثلوا جماعة تلمسان الذين ردوا على جماعة تيزي وزو بتشكيل مكتب سياسي آخر وتسليح جماعات ياسف سعدي في العاصمة تحضيرا لغزو العاصمة. تقوى جانب قيادة الأركان أكثر بعد إنضمام كل من ممثلي الولاية 1 و 5 و 6، ورغم محاولات التهدئة التي قام بها ممثلوا الولاية الرابعة فقد أعطي أمر الهجوم على العاصمة وتم ذلك بمشاركة قوات الولايات الأولى والثانية، الخامسة والسادسة، وقوات ياسف سعدي من داخل العاصمة (وصله السلاح بمساعدة جماعة روشي نوار وتحت أعين القوات الفرنسية التي منعت وصول الأغطية والأدوية لقوات الولاية الرابعة)، في هذه الظروف التي لم يجدي فيها الحوار تكلمت الرشاشات والمدافع وتحولت عين وسارة وقصر البخاري إلى أرض دمار تغطيها جثث القتلى بعد معارك بين قوات الأركان وقوات الولاية الرابعة لمدة يوم وليلة.

في خضم هذه الصراعات، عاد محمد بوضياف للظهور من جديد محاولا كسب قيادة الولاية الرابعة لصفه وتشكيل جبهة موحدة مع جماعة تلمسان، لكن محمد بوسماحة رفضا الفكرة وبقي على الحياد فاتجه بوضياف للتحالف مع جماعة تيزي وزو ضد جماعة تلمسان وايقاف مخططها بكل الوسائل. ثم ظهرت شخصية بن خدة لتروج لنفسها، فطلب تنظيم تجمع جماهيري في العاصمة لشرح بنود اتفاقيات إيفيان لكن طلبه قوبل بالرفض فمواقفه جاءت متأخرة ومائعة.

شارك في هذه الفتنة الضباط الجزائريون في الجيش الفرنسي الذين قاتلوا باسم السلطة ولإبقاء الولاء لفرنسا، بعدما دستهم فرنسا في جيش الحدود لتجعلهم في مناصب حساسة وتواصل الاستعمار عبرهم، فبدل إعدامهم صاروا هم القادة والمتحكمين في المجاهدين، فالعفو عن الخائن خيانة حسب المؤلف الذي انتقد بشدة الاستعانة بهم في جيش التحرير الوطني  . 


4- عرض لبعض آراء الكتّاب حول أفكار الكتاب.

بخصوص مؤتمر الصومام: على عكس ما أكده الكاتب في الفصل الأول من كتابه أن مؤتمر الصومام لم يكن موجها ضد أي طرف وأنه جاء بفكرة جماعية وليس فردية، فإن مؤتمر الصومام - الذي فخَّم صورته - سي لخضر قد تسبب في أزمة حادة للثورة حسب المجاهدين على كافي، الطاهر الزبيري والكاتب محمد عباس، إذ كان مؤتمر الصومام مخططا له من عبان رمضان، لمركزة القيادة وتنصيب نفسه على رأسها عبر المبدأين الذين اقترحهما: أولية الداخل على الخارج والسياسي على العسكري، كبديل عن مبدأ الشرعيىة التاريخية لأنه لم يكن من مفجري الثورة، فتحالف مع قادة الداخل ذوي الشرعية الثورية (كريم بلقاسم – بن مهيدي) لتحييد قادة الخارج، فصار يتصرف منذ خريف 1955 كقائد أوحد للثورة يحيي ويميت، ولترسيم هذا الوضع كان لابد من مؤتمر ليبعد المعارضين المحتملين  ، وتأكدت فكرة النوايا غير البريئة والكولسة الصومامية (التي فندها لخضر بورقعة) في مذكرات علي كافي، الذي أكد أن هاجس عبان رمضان الاساسي هو بسط نفوذه على الثورة وافتكاك زمامها من الوفد الخارجي، فلجأ عبان لتحقيق ذلك إلى جماعة لا تؤمن بالثورة كفرحات عباس ليتحول جماعة  الوفد الخارجي إلى مجرد مكلفين بمهمة  

أما احمد بن بلة، والوفد الخارجي فقد رفض مخرجات المؤتمر لأنه أوصل الانتهازيين لقيادة الثورة موجها انتقادات لاذعة للمؤتمر   الذي لم يكن تمثيليا، إذ غابت عنه منطقة الأوراس والوفد الخارجي .. 

الصراع بين الجبهة والمصاليين: وزع المؤلف الاتهامات بالتخوين دون أن يترك أي وثيقة تاريخية كدليل مادي ودون أي ذكر للأسباب الخلاف العميقة، كما لم يسرد العنف التي مارسته الجبهة أيضا ضد المصاليين (اكتفى بذكر بعض الأعمال التي ارتكبها المصاليون)، والواقع أن جيش التحرير الوطني أيضا اتبع سياسة العنف ضد أتباع الحركة القومية الجزائرية MNA، اذ بادر كريم بلقاسم في جوان 1955 وقام بتصفية المصاليين في منطقته، وتم ذلك بعد محاصرة حوالي 34 (مجاهد) من أتباع ال MNA في مغارة وقتل عنصرين وأسر البقية، منهم من أعيد لقريته ببني بوعدو أما البقية فتم قتلهم رميا بالرصاص، كما تم قتل 21 عنصر مصالي قرب آقبو في مارس 1956 و 20 آخرين في 20 مارس قرب دراع الميزان  ، فالعنف كان متبادلا رغم أن العدو واحد، والهدف واحد، لم يتوقف الأمر هنا، إذ ارتكب جيش التحرير مجزرته الشهيرة الشنيعة ضد دوار بني يلمان في (ملوزة) في 1957 كون أهل الدوار من أتباع ال MNA   وهذا ما أكده محمد حربي، ايف كوريار، بن جاما ستورا ... 

حاول المؤلف تزييف جزء م الحقيقة بإظهار ال MNA عميلة لفرنسا كليا ولم يشر للجانب الإيجابي الذي خدمت به الثورة، فمصالي أيضا كان يحارب فرنسا (لكنه دخل في صراع مع الجبهة والتفصيل في الموضوع يلزمه وقت أطول) اذ أورد فتحي الذيب في مؤلفه عبد الناصر والثورة الجزائربة وثيقة جد مهمة (مؤرخة في 25-11-1954) من مصالي الحاج إلى عبد الخالق حسونة ودبلوماسيي مصر وكل الدول العربية والإسلامية يفوض فيها احمد مزغنة مسؤول العلاقات الخارجية في ال MNA بجمع السلاح لدعم الثورة في الجزائر   كما ارسلت الحركة المصالية رسالة للأمين العام للأمم المتحدة، أمين جامعة الدول العربية، منظمة المؤتمر الإسلامي تدين فيها مجازر أوث 1955 في حق الأطفال، النساء والشيوخ مطالبة بتدخل هيئة الأمم المتحدة لتطبيق ميثاقها، وأدانت الحركة في منشور ثاني تدخل حلف الناطو والدعم العسكري (السلاح) الأمريكي لفرنسا في قتلها للجزائريين (أكثر من 1000 قتيل في يوم واحد)  .

كتب سي لخضر مذكراته بأسلوب الإنتقاء، فلم يذكر بعض الجزئيات، فهجوم قيادة الأركان على الجزائر كان بسبب منع الولاية الرابعة للمكتب السياسي من الإجتماع على أراضيها بعد رفض قيادة الولاية لترشيح بعض الشخصيات من المنطقة مثل عبد الرحمان فارس، الشيخ خير الدين... فرد ت جماعة تلمسان بالهجوم على العاصمة التي "ليست ملكا للولاية الثالثة والرابعة فقط بل ملك لكل الجزائريين" إذا فقد أظهر سي لخضر أن الولاية "4" محايدة في حين أكد الطاهر الزبيري وجود حسابات أخرى وكولسة  .

- نقد وتقييم شخصي:

المذكرات عبارة عن شهادات حول أهم الأحداث التي عاشها المجاهد لخضر بورقعة وشارك فيها بين 1956 – 1967، وبالتالي فقد أضاف الكتاب مادة تاريخية مصدرية أولية جد مهمة حول: نضال الولاية الرابعة، مؤتمر الصومام، قضية سي صالح، أزمة 1962...

أُلِف الكتاب لتأكيد فرضية معينة، وهي أن الثورة انحرفت عن مسارها بسبب جماعة من المتمردين لم يحترموا طموح الشعب وهددوا البلاد بحرب أهلية.

منهجيا، استعمل الكاتب أسلوبا سرديا دون تحليل، فهو ليس بالمؤرخ ولا بالسياسي المثقف.

تابع الحياة اليومية للمجاهدين في الجبال، فذكر سيلا من المعارك بين القوات الجبهوية والفرنسية كمعركة موقورنو والعمليات الاستشهادية كساكامودي، كما أظهر معانات المجاهدين في الجبل في ظل المتابعات الاستعمارية.

أظهرت المذكرات حتى الجانب السلبي من الثورة كالتصفيات الجسدية، التكتلات السياسية المشتتة لوحدة الصف، إنعدام الثقة  والانسجام بين القيادات معطيا في كل مرة أمثلة توضيحية فانعدام الثقة مثلا ظهر بعد عملية ساكامودي الفدائية التي قامت بها الولاية الرابعة وأدانتها قيادة الخارج ...

وضحت السياسة الاستعمارية للقضاء على الثورة والعمل الاستخباراتي الكبير الذي تقوم به، اذ استعملت الجواسيس للتسلل لصفوف المجاهدين، الاعتماد على الحركى، إنشاء خط شال، عمليات المسح الشامل، المجازر والإبادة مثل مجازر 20 أوث ضد المدنيين ... فالكاتب هنا يريد أن يؤكد عظمة الثورة التي صمدت في وجه كل هذه الممارسات على قلة عتادها وأفرادها.

وصف مشاكل الثورة: نقص التقنيين، نقص السلاح الذخيرة، السياسة الفرنسية...

لم يهمل الكاتب شرح الدور الجوهري للشعب في الثورة كممول بالمال والسلاح والغذاء، مشاركة في المعارك، مستكشف  وفاتح للمسالك لجيش التحرير، الاستجابة بقوة لدعوات الجبهة بتنظيم المظاهرات (11-12-1960) والاضرابات، أي أنه شرح بعض عوامل نجاح الثورة.

أورد عددا من تعاريف القادة الثوريين Biographies: عبان رمضان، العربي بن مهيدي، سي صالح بن زعموم، سي عبد العزيز، بلونيس  ... وكلها تعتبر معلومات مصدرية جد مهمة لأنها جاءت من معاصر وحتى رفيق.

غابت الموضعية أحيانا عن الكتاب، وأثرت على مواقف الكاتب بشكل واضح، فمال لجماعة مؤتمر الصومام على حساب قيادات الخارج (وهذا ليس خطأ بل يبقى قناعة شخصية لمناضل عايش الحدث) لكن الذاتية في الكتابة ظهرت في عدم التفصيل في نتائج المؤتمر وأسباب غياب الأوراس، قادة الخارج، فدرالية فرنسا عن المؤتمر ودواعي رفض بن بلة وجماعته وقادة الأوراس بشكل صريح وقوي لمخرجات الصومام، فرغم أن المؤتمر من أكثر الأحداث جدلية في تاريخ الجزائر المعاصر ورغم معاصرة سي لخضر للحدث إلا أنه لم يفصل في أسباب انعقاده ومخرجاته، ولذلك أيضا نجده يوظف أي حجة للدفاع عن الصوماميين ومنها: جاء المؤتمر بسبب الضغط الكبير على الثورة بعد قدوم دوغول للحكم (المؤتمر انعقد قبل قدومه)، كما إدعى أن نوايا منظمي المؤتمر صادقة وهو ما فندناه سابقا.

أطلق بعض الأحكام السطحية، كاتهام المصاليين بذبح 34 مجاهدا من خلف رقابهم وفرار مجاهد واحد أخبر الجبهويين بالحدث، هذه الواقعة تثير الشك، فهل حقا فعل ذلك أفراد ال MNA وكيف نجى فرد واحد ليخبرهم بما حصل؟؟ ورغم أن المؤلف أكد عدة مرات القدرات الاستخباراتية الهائلة للعدو وامكانية اختراق صفوف الجبهة إلا أنه لم يرجح هنا إمكانية أن تكون فرنسا خلف هذا الفعل الإرهابي. وعاد في الصفحة 21 متها "المصاليين يفتكون بالجماهير" لكن دون ذكر أي فعل يدعم به قوله.  

وقع في التناقض في سياق حديثه عن تبعات لقاء الإيليزي، بداية أكد فشل اللقاء، ثم عاد ليعدد بعض نتائج اللقاء، فذكر أن اللقاء تسبب في:

- تشتيت صفوف المجاهدين وتصفية المشاركين فيه وهم من الرجال المخلصين للثورة على حد تعبيره.

- زاد من هوة انعدام الثقة بين القيادات.

- تقزيم رسالة وصورة الثورة في الخارج.

- إضعاف القدرة التفاوضية للحكومة المؤقتة.

- التعتيم على وحدة الثورة.

- زيادة حدة الصراع بين الداخل والخارج واتهام الولاية الرابعة والتشكيك في جدارتها بالجهاد.

وبالتالي فإن لقاء الإيليزي لم يفشل كما ذكر سي لخضر بل حقق نجاحا كبيرا.  


اعداد الاستاذ: عبد النور خالد             



هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

تعليقان (2)
إرسال تعليق
  1. سلام الله عليك اريد مراجع اعتمدتها تدلني عليها لانني بحاجة لهاذا الكتاب كبطاقة قراءة في اقرب وقت شكرا

    ردحذف
  2. احتاج الى تهميش هذا البحث

    ردحذف

إرسال تعليق