القائمة الرئيسية

الصفحات

الآن، بإمكانكم إرسال الفقرات والأعمال الابداعية التي ينجزها تلاميذكم ونحن نتكفل بنشرها في موقعنا

الأوضاع الاجتماعية المزرية في الجزائر أثناء الحرب العالمية الثانية

 



الأوضاع الاجتماعية في الجزائر أثناء الحرب العالمية الثانية


1- الأوضاع الصحية وانعدام الغذاء أثناء الحرب العالمية الثانية: 


عاش الجزائريون خلال الحرب العالمية الثانية ظروفاً صعبة، ارتبط بعضها بنقص الغذاء نتيجة تعاقب سنوات الجفاف وتتالي موجات الجراد، وارتبط البعض بظروف الحرب وعواقب سياسة الإدارة الاستعمارية. 


هناك وصف حي كتبه طبيب عن حالة الجزائر خلال الحرب، ورغم أن هدا الوصف كتب عام 1945م فإن صاحبه الذي عاش طويلاً في مدينة الجزائر كان يتكلم فيه عن سنوات الحرب وليس عن سنة بعينها باستثناء جفاف 1944م – 1945م الدي خصه بالتركيز. قال الدكتور توماس: "لقد عشت في مدينة الجزائر فترة طويلة وقد رأيت فرقا من الأطفال في أسمال بالية يجنون قوت يومهم، ابتداء من سن الخامسة، بيع الجرائد ومسح الأحدية ورأيت أعشاش القصدير في الأحياء العربية وهي أماكن تعتبر عارا على الحضارة، وأثناء جني الكروم التقيت بعمال بمزارع يمشون مسافة مئات الأميال بحثا عن العمل، ينامون في الليل في الحفر ويتغدون ببضع حبات من التمر أو العنب ...لقد كنت خجلا من كوني فرنسيا. كنت في الجزائر سنة 1945م وفي وقت المجاعة عندما كان آلاف الناس يموتون جوعا خلال سنة من الجفاف، ولقد شاهدت القمع المروع الذي نتج عنه موت 60 ألف شخص وشاهدت أطفالاً عمرهم سنة واحدة يأكلون التراب كما شاهدت مائتي شخص يموتون من الملاريا في بضعة أيام بغرداية فكيف لا نحصد الثورة عندما نكون زرعنا خلال هده المدة الطويلة الحقد والاهانات والبؤس".

رغم انتشار الفضائح والسوق السوداء على حساب الجماهير البائسة فإن الإدارة الفرنسية قد لعبت دورا في المضاعفات الجديدة، ففي بعض المناطق لم توزع الحبوب بالتقسيط أكثر من ستة أشهر، وكان الناس يموتون جوعاً. 

وكان بعض الإداريين الفرنسيين قد أساءوا استعمال سلطاتهم بعد سماحهم باستمرار الأسواق السوداء واستعمال بطاقات التقتير في المواد الغذائية للضغط السياسي، أو منع دفع البطاقات إلى أصحابها أصلاً بدعوى أن ذلك عقوبة لهم. وقد ضبطت عدة حالات من الغش قام بها الاداريون الفرنسيون خلال الحرب مثل بيع القمح والتموين والضرائب الجمركية ونحو دلك، فإذا أضفنا ذلك إلى الكوارث الطبيعية – الجفاف – تصورنا كيف كانت معاناة التسعة والتسعين في المائة من الجزائريين.

هكذا كانت أوضاع الجزائر خلال الحرب وخاصة على عهد فيشي: بؤس في الحياة الاقتصادية ... واضطهاد وقمع من جانب الإدارة الفرنسية. وتشهد الوثائق أن سنة 1942م كانت صعبة كما السنة التي قبلها، ويذكر المعاصرون الجزائريون عندئذ أن المواد الغذائية كانت مفقودة وأن الأهالي كانوا يأكلون الأعشاب ويشربون من الآبار العفنة ويكاد كبارهم يكونون عراة أما صغارهم فكانوا يتركون على الطبيعة حفاة عراة. وكان الأحياء من الناس يشاهدون أطفالهم وذويهم يموتون بالملاريا في لحظات. 

ونجد أن الظروف الصعبة التي كان يعيشها سكان الجزائر خلال عام 1941م قد انعكست وبصفة مباشرة على صحتهم، حيث تحولت الجزائر في عهد حكومة فيشي إلى مكان تنتشر فيه الأمراض والأوبئة، هنا لا يحرج ولا يزعج التعميم بل قد لا ينتبه له مادام السل قد توسعت رقعة انتشاره في جميع القرى والأرياف، وبصورة أكثر وسط العمال في المدن،  


فقد ذكر الطبيب الأخصائي ليفي فلانسي في محاضرة ألقاها سنة 1946م بأن عدد الجزائريين المصابين بالسل خلال عهد حكومة بيتان وصل إلى أكثر من 25000 شخص، ونتيجة لنقص الغذاء وتناول الأهالي لنباتات غير صالحة للتغذية

أصيب الكثير منهم بأمراض الجهاز التنفسي والجهاز الهضمي والملاريا والأمراض الصدرية. وما زاد في خطورة الوضع الصحي في الجزائر خلال عهد حكومة فيشي هو ظهور مرض معدي قاتل يسمى التيفوس الذي أصاب الآلاف من السكان، حيث ذكرت الكتابات التاريخية أن عدد المصابين بهذا المرض سنة 1941 هو 200000 مصاب ليرتفع العدد في 1942م إلى 233.380 مصاب (حاولت السلطات الفرنسية إيقاف انتشار المرض خوفا على حياة الكولون وليس على حياة "المتسولين" الذين يحملون المرض كما أطلقت عليهم جريدة la dépêche de Constantine)  

 .

وبسبب هذا الوضع الصحي المتدهور وأمام الخدمات المتدنية ارتفع عدد الوفيات في الجزائر من 111.850 سنة 1939م إلى 233.388 سنة 1942م أي بزيادة بلغت 108% كما سجلت في تلك الفترة ظاهرة وفيات الأطفال خاصة المواليد الجدد فكثيرا ما يولد الطفل حيا ثم يموت بسبب قلة إن لم نقل انعدام الوسائل الصحية .  وقد انتشرت ظاهرة أخرى في الجزائر هي الهجرة اذ هاجر 8000 شخص سنة 1941م . لذلك لم يخل عدد من أعداد أسبوعية "الحرية «لسان حال الحزب الشيوعي الجزائري في نهاية 1944م وبداية 1945م حول نقص التموين بالغذاء وانتشار المجاعة في شمال الجزائر وجنوبها، مدنها واريافها، قدمت الصحيفة العديد من الأمثلة حول معاناة الجزائريين من الجوع والبرد الذين كثيرا ما يؤديان للموت: "فمن بين 8 ملايين ونصف من سكان الجزائر يوجد أكثر من 7 ملايين مسلم ويمكن أن نؤكد أن 6 ملايين يعيشون في ظروف جد مأساوية لم يتمكنوا من الخروج منها خلال السنوات الأخيرة" وكتبت: "في بلد الصوف الفلاحون يموتون بالبرد،  الأطفال يتجولون عراة في الشوارع" وذكرت: "في كل يوم نقرأ إعلانات غير مكترثة باكتشاف جثث متجمدة في الشوارع، رأيت في الأسبوع الماضي امرأة تغطي رضيعها بجريدة في هذا الشتاء البارد، إلى أين تذهب أصواف إنتاج 800000 من خرافنا سنوياً" 

نشر مقال  misère de kabyle ل: ألبير كامي -الذي عايش الأوضاع المزرية لسكان القبائل خلال التحقيق الذي قام به في المنطقة - في جريدة الجمهورية ومن بين المشاهد العديدة التي يرويها لنا: "في صبيحة أحد الأيام  رأيت في تيزي وزو أطفالا يتعاركون مع الكلاب على القمامة، وأجابني أحد السكان أن هذا يحدث كل صباح..." ويقدم لنا هذا الحوار الذي جرى خلال عملية توزيع الحبوب في الأربعاء نايت ايراثن: سألت طفلا يحمل على ظهره كيسا صغيرا من الشعير قدِّم له: لِكم من الأيام أعطي لكم هذا؟ لخمسة عشر يوما. كم هو عدد أفراد عائلتكم؟ خمسة أفراد. هذا ما ستأكلونه فقط !؟ نعم. ليس لديكم تين مجفف؟ لا. هل تضعون الزيت داخل الخبز؟ لابل نضع الماء. ثم انصرف بنظرة غاضبة. ويضيف: خلال جولتي لمعرفة معاناة ومجاعة السكان، اكتشفت أن 5 أفراد ماتوا في احدى المناطق بعدما استهلكوا جذوراً سامة وأربع عجائز جئن من دواوير بعيدة لميشلي (عين الحمام) للحصول على الشعير، وقد متن في الثلوج خلال طريق العودة، لقد عرفت أن الكمية الموزعة من الحبوب لا تكفي للسكان ولكن لم أعرف أن ذلك يوصلهم لدرجة الموت وفي قرية لفلاي بسيدي عيش هناك عائلات تبقى لمدة يومين أو ثلاث دون أن تأكل شيئا.  


2- التعليم أثناء الحرب العالمية الثانية: 

نجد أن تلك الأوضاع الصعبة التي كان يعيشها الجزائريين في عهد حكومة فيشي الموالية للألمان قد أثرت حتى على تعليم أبنائهم، خاصة في ظل غياب دعم الإدارة الاستعمارية للجزائريين في هذا المجال، لذلك تراجع عدد المتمدرسين من 114.000 عام 1939م إلى  110.000 تلميذ سنة 1944م باعتماد مالي لم يتجاوز 88 مليون فرنك قديم (ويزاول التلاميذ دروسهم في فصول صغيرة ضيقة بنسبة 40 إلى 50 تلميذ في كل فصل وفي أماكن قذرة غير صالحة للسكن مع قلة المرافق والوسائل ولا يدرسون إلا نصف الوقت أما الباقي فيوضع في شكليات روتينية مقصودة من طرف الإدارة) ، في المقابل لاحظنا ارتفاع عدد المتمدرسين الفرنسيين، حيث وصل عددهم خلال الحرب العالمية إلى 200 ألف تلميذ باعتماد مالي قدره 339 مليون فرنك فرنسي وبالتالي فإن عدد التلاميذ الفرنسيين بلغ ضعف عدد التلاميذ الجزائريين، ثم إن الميزانية المخصصة للمستوطنين تمثل 4 أضعاف ميزانية الجزائريين، وفي ذلك تمييز طبقته إدارة حكومة فيشي ضد الأهالي الجزائريين، خاصة وأنهم يمثلون الأغلبية العددية، وأما من بقي من أبناء الجزائريين في مدارس التعليم فقد وصف وضعيتهم التقرير السنوي الذي قدمه التفتيش الأكاديمي للعاصمة خلال سنوات الحرب العالمية 2، والذي مما جاء فيه: "الحالة المادية: فصول صغيرة مخربة وأماكن غير صالحة للدراسة، الأدوات الصحية والرياضية في حالة سيئة ولا توجد المياه في أغلب الأحيان، الفصول دون مقاعد، التلاميذ فيها يجلسون على الأرض، أما مكتب المدرس فقد كان قديما والتلاميذ أعمارهم متباينة " وإذا تحدثنا عن التعليم الثانوي نجده كان حكراً على الأوروبيين، أما عدد الجزائريين فقد كان قليل، حيث ارتفعت تكلفة التعليم خلال سنوات الحرب العالمية الثانية، فقد كانت مصاريف الالتحاق تقدر ب5000 فرنك فرنسي سنويا أما بالنسبة للتعليم العالي فكانت توجد جامعة فقط في الجزائر وكان عدد الطلبة الجزائريين ضئيل بالمقارنة بالفرنسيين حيث بلغ عددهم خلال فترة 1941م – 1943م حوالي 148 طالب، في حين بلغ عدد الطلبة الفرنسيين خلال نفس الفترة 3700 طالب، ويرجع النقص الكبير في عدد الطلبة الجزائريين إلى قلة تواجدهم في المدارس الابتدائية والثانوية، إضافة إلى الصعوبات المالية التي كانت تواجه الطالب الجزائرية في الجامعة، حيث بلغت نفقات الشهر الواحد 6000 فرنك وهو مبلغ تعجز الأغلبية عن دفعه.  


بقلم الأستاذ عبد النور خالد


هل اعجبك الموضوع :

تعليقات