القائمة الرئيسية

الصفحات

الآن، بإمكانكم إرسال الفقرات والأعمال الابداعية التي ينجزها تلاميذكم ونحن نتكفل بنشرها في موقعنا

محمد بن أبي شنب كبير الفرونوكوفونيين الجزائريين

 




بقلم الأستاذ عبد النور خالد  

 

المقال


المقدمة:  

   إن جوهر الصراع الدائر في الجزائر منذ 1830 وإلى غاية 1962 هو الثقافة، فالجزائر لم تكن لتصبح فرنسية كما نصَّ دستور 1848 إلا بسلخها من بعدها الاسلامي وتمكين الثقافة الأوروبية وربط البلاد بالحضارة اللاتينية فسخّرت فرنسا المدارس، الجامعات والمجلات العلمية  لترسيخ إيديولوجيتها، في هذا السياق التاريخي ظهر اسم محمد بن أبي شنب في عالم الصحافة والانتاج الأكاديمي في القرن العشرين بقوة، ومع ارتباطه بالمؤسسات التعليمية الفرنسية التي عمل فيها كمدرس وباحث استشراقي وغزارة انتاجه المعرفي، أثير حوله جدال واسع، فهل كان ابن شنب يرمي لخدمة الادارة الاستعمارية من خلال أعماله التي تحوي مادة انتروبولوجية هائلة تكشف صميم تفكير المجتمع الجزائري؟ أم أنه حصًّل المناهج الغربية واستعمل المؤسسات والمحافل الاستشراقية لمقاومة الثقافة التغريبية وابراز الخصوصية الثقافية لبلاده؟  


للإجابة على الإشكالتين، أدرجنا في عملنا أربع                         عناصر فرعية :

من هو محمد بن أبي شنب؟

ما موقع ابن شنب في المؤسسة الاستشراقية الفرنسية؟

ما هي مرامي ابن شنب من أعماله العلمية (تحليل لبعض أعماله)  

هل استغلت الادارة الكولونيالية ابن شنب لتمريرهدف ما؟


 محمد بن أبي شنب و خلفيته الثقافية 

    من أنشط أساتذة قسم الاستشراق في جامعة الجزائر، عالم لا يتعب، كرس حياته لدراسة العربية والاسلام والحث على دراسة العلوم الحديثة. ولد ابن شنب في دمياط Damiette  قرب المدية عام 1869 وبها درس في المدرسة الابتدائية وتعلم الفرنسية، تخرج من مدرسة المعلمين بالعاصمة Ecole   Normale Supérieure   في سن ال19 عام 1888 وعين مدرسا في الابتدائي في نفس السنة، ليحصل في 1894 على دبلوم اللغة العربية من المدرسة العليا للعاصمة، وبعدها ب 4 سنوات عين مدرسا في Médersa de Constantine ثم في Médersa d’Alger عام 1901، ليدخل عالم العلماء في 1905 بمشاركته في مؤتمر الاستشراق العالمي المنعقد بالجزائر ببحث من 400 صفحة  .

يحسن ابن شنب عدة لغات إلى جانب العربية، إذ يتقن الفرنسية، الفارسية، الألمانية، العبرية، الاسبانية، الإيطالية، التركية واللاتينية وإليه يرجع الفضل في تكوين النواة الأولى لقسم الأدب المقارن بجامعة الجزائر (الذي عمل فيه كأستاذ احتياطي) . وبالتالي فإن ابن شنب تدرج في المدارس الفرنسية - ونهل منها الثقافة الغربية – وبها عمل بعد تخرجه منها، ولكنه عمل أيضا في المدراس العربية – المحلية، فهو شخصية مزدوجة الثقاقة.


موقع ابن شنب في المؤسسة الاستشراقية الفرنسية

     قبل الخوض في علاقة ابن شنب بالاستشرق، وجب تعريف الاستشراق: " هو أسلوب من الفكر قائم على تمييز وجودي بين المشرق والمغرب، يستخدم دراسات أكاديمية لعلماء غربيين للاسلام والمسلمين من شتى الجوانب "   ومن البديهي أن يهتم الفرنسيون بالشعب المستعَمر دينا ولغة،عاداتِ وتاريخا، كما أنه من البديهي أن يتطور حسب الحاجات الاستعمارية وحاجة الدولة الفرنسية،   يقول أحد المستشرقين: " إن الاستشراق هو بالطبع الحقل الرئيسي للدراسات في مدرستنا (مدرسة الآداب) ومن داخل الاستشراق تأتي اللغة العربية والدراسات الاسلامية، وأول عمل يبدأ به المرء في دراسة أدب وحضارة ما هو تصنيف ووصف المصادر ويدخل في ذلك دراسة المكتبات والمخطوطات ... ومن الذين تكلفوا بذلك من الفرنسيين: ماسكراي، مارسي، ميرسيي... ومن الجزائريين ابن شنب، بوليفة وابن سديرة " 

كان ابن أبي شنب على صلة وطيدة بالمستشرقين الفرنسيين والأوروبيين، نشر في مجلاتهم وحضر مؤتمراتهم ، ودخل عالم الاستشراق من الباب الواسع بحضوره لمؤتمر المستشرقين المنعقد بالجزائر سنة 1905 (حضره شارل جونار ووزير التعليم العمومي الفرنسي...) أين ترجم ل 360 عالم مغاربي، كما حضر مؤتمر معهد المباحث العليا بالمغرب سنة 1928 والمؤتمر الدولي ال17 للمستشرقين بجامعة أوكسفورد في 1928 مقدما بحثا عن شعر أبي جعفر الأندلسي. وترى الأستاذة محجوبي أن حضور ابن شنب لهذه المؤتمرات كان لغرض العلم، ولو كان بيد المستعمر، فهو من يملك الامكانات المادية والمعنوية.  


مرامي ابن شنب من أعماله العلمية (الإيديولوجيا)  

    من الجوانب المهمة التي طبعت اعمال ابن شنب العلمية تحقيق الكتب التراثية العربية، ومنها:

-  كتاب البستان في ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان لابن مريم

-  رحلة الورتيلاني للحسين الورتيلاني

- الذخيرة السنية في تاريخ الدولة المرينية لابن أبي زرع

- طبقات علماء إفريقيا لأبي عرب مشفوعا بترجمة للعربية

- الأمثال الجزائرية والمغاربية

- ترجمة عدة نصوص للفرنسية كرحلة ابن مسايب إلى الحجاز

وظف ابن شنب أعماله للدفاع عن الخصوصية الفكرية والدينية وحتى اللغوية للمجتمع الجزائري وترقية الهوية الثقافية للشعب الجزائري، وهي هوية تختلف عن هوية المستعمر، لم يكن ابن شنب يملك من سلاح للدفاع والمقاومة إلا الانغماس في ابراز ثقافة أصيلة (ركز على مواضيع تاريخية وتراثية) ذات بعد وطني وإقليمي. وهو ما أبرزه في أعماله التي سنأخد منها بعض النماذج للتعليق عليها وعلى مراميها الايديولوجية:

 ضم الكتاب المحقق "البستان" مادة غزيرة من التراجم وأفاد الدارسين بسرد طويل من المصنفات، أسماء الأطعمة، الألفاظ الحضارية: كالدرهم، الكسكسو، البساط، الهيدورة، لالَّة ... كما ذكر الحصار الذي تعرضت له تلمسان ومقاومة السكان، وكل ذلك يدخل في صميم المقاومة الثقافية واحالة من يستطيع القراءة من الجزائريين على مرجعية فكرية ولغوية يتغلب بها على واقعه المستَلًب، وربما يكون الهدف من هذا الكتاب ومراميه فئة المستعمِرين ليدلهم على الخصوصية الثقافية للمستعمَرين (وأنها تختلف كليا عن ثقافة فرنسا).  

في مقالة Notions de Pédagogie Musulmane  التي نشرها في مجلةRevue Africaine  (قدم لها ثم نشرها مترجمة للفرنسية والعربية في 19 صفحة)، أكد أن الاسلام ليس كما يٌصور كعدو للتعليم والتربية، بل على العكس فإن الإسلام أرشد إلى التعليم لمعرفة الدين والعلوم التطبيقة المختلفة، والدين هو من خلق المدارس وليس من الصحيح القول أن الكتَّاب المسلمين لم يكتبوا حول "تربية الأطفال" كما أكد على وجود عدد معتبر من الأعمال في هذا المجال،  مستشهدا بعمل لمؤلف مجهول تحدث عن أسس تربية الأطفال، وعليه فإن ابن شنب قد حاول اسقاط الأحكام المسبقة حول الإسلام عامة وحول إهمال المسلمين لعلوم التربية في هذا الموضع.    

في 1901 نشر ابن شنب مقالة أخرى في مجال "التربويات" تحت عنوان Lettre Sur l’éducation des Enfants في مجلة Revue Africaine  عرف فيها لصاحب الأفكار الأصلي "أبو حامد الغزالي"، جاء في المقال مبادئ عامة لتربية الطفل مؤكدا ضرورة تدريس الأطفال إناثا وذكورا مؤكدا أن الإسلام دين علم وليس دين رجعية وتخلف كما روج الاستعمار وهي رسالة ضمنية للادارة الكولونيالية لتوسيع تعليم الجزائريين.  

لم يكتفي ابن شنب بالتأصيل فقط بل أعمق من ذلك، إذ يرى أن الحضارة الغربية أخذت من الحضارة الإسلامية، مستشهدا (في دراسته لكتاب الكوميديا الإلهية) بالعمل الحضاري الضخم الكوميديا الإلهية لأليغري دانتي الذي استلهم عمله من رسالة الغفران لأبي العلاء المعري، تحمل هذه الدراسة أبعادا سياسية، ففي الوقت الذي تحاول فيه فرنسا إثبات رومانية الجزائر ومسيحية التاريخ فيها كتبرير لوجودها يؤكد ابن شنب برسالة ضمنية بأن لأوروبا جذورا ثقافية في الحضارة الإسلامية، كما يشير في نفس الوقت أن التبادلات الثقافية طبيعية وليست حجة لتبرير وجود سياسي، وقد ظهر التوجه القومي عند ابن شنب عند إنضمامه في 1920 للمجمع اللغوي السوري، وقد عبر عن ذلك فرونسوا بويون في قاموس المستشرقين: " بحفاظه على هويته الإسلامية وعدم الدخول تحت المواطنة الفرنسية فإن ابن شنب قد ابتعد عن التوجه العام لسياسة الحكومة العامة الفرنسية التي كانت تخشى من كل ما يرمز للعروبة والإسلام " .  





هل استغلت الادارة الكولونيالية ابن شنب لتمريرهدف ما؟


عمل بعض المستشرقين الفرنسيين على تأكيد انتماء ابن شنب لفرنسا وجعله مثالا على ديمقراطية فرنسا، فكتب Alfred Bel بعد وفاة ابن شنب سنة 1929 مقالا تأبينيا في مجلة Journal Asiatique جاء فيه: " ابن شنب دليل ديمقراطية فرنسا وشاهد عليها، إذ حولت رجلا متواضعا إلى أعلى المراتب " وهو ما أكده عميد كلية الجزائر من قبل بعد تعيين ابن شنب أستاذا في الجامعة: " ابن شنب رجل معروف بأعماله بين المستشرقين في أوروبا، أمريكا وآسيا ومقدر بين المستشرقين الفرنسيين ... وهذا لا يؤكد فقط أننا أحسنا الاختيار بعد تعييننا له أستاذا معنا، بل على إرادة فرنسا التي لا تعرف التفريق على أساس العرق، الوضع الإجتماعي، الدين أو الأصل، بل اختارت الأكفأ لتدريس شبابها والبحث عن الحقيقة الذي هو ديدن الجامعات الفرنسية " ويضيف Alfred : " ابن شنب شرَّف فرنسا والعلم الفرنسي كما يجب، وهو من أنجح نماذج التبني على هذه الأرض (يقصد الجزائر) "

ولعل الجملة التي تعبر عن إيديولوجية ابن أبي شنب هي ما كتبه Alfred Bel في مقاله، فان ابن شنب – حسبه – لم يكن أقل مرتبطا بفرنسا في عمق ذاته رغم تمسكه بهويته، وكان لا يؤمن باذماج سابق لأوانه بل يجب أن يسبقه ثورة ثقافية، نفسية ومادية قادرة على رفع الأهالي إلى مستوى الحضارة الغربية.

ونظير الخدمات التي قدما محمد بن أبي شنب لفرنسا مُنِح وسام Croix de la Légion d’Honneur في 1922، وفي 1928 عين ممثلا من إدارة جامعة الجزائر للعالم الإسلامي الإفريقي في مؤتمر الاستشراق في أوكسفورد.   


الخاتمة: 


- ابن أبي شنب، من  أنشط المثقفين الجزائريين في القرن العشرين، نشر سيلا من العمال الأكاديمية، حقق وترجم فيها الكثير المؤلفات التراثية العربية، هدف منها لإبراز الخصوصية الثقافية لبلاده.

- عرف بالتراث الاسلامي والعربي عبر المجلات والمحافل الاستشراقية.

- درس في المدرسة والجامعة الفرنسية، اختلط بالمستشرقين وشارك في المحافل الاستشراقية ومنها أخد المناهج الغربية ووظفها في أعماله الأكاديمية.

- استفاد مما وفرته له الادارة الكولونيالية من وسائل (المكتبات ومخطوطتها والمجلات كالمجلة الافريقية)

- بقي محافظا على انتمائه الحضاري ووظف قلمه في اسقاط الأحكام المسبقة السلبية في حق الاسلام.

- لم ينشط ابن شنب في المجال السياسي وركز نشاطه على الجانب العلمي.

- ارتبط ابن شنب بالمؤسسة الاستشراقية والمستشرقين وهو ما وضعه محل شك من استغلال الادارة الكولونيالية له ولأعماله.

- استعمل الفرنسيون اسم ابن شنب لتأكيد – مزاعم – ديمقراطية فرنسا وتعليمها للجزائريين.

- استفادت المدرسة الاستشراقية من أعمال ابن شنب التي قدمت معلومات هائلة عن تاريخ وثقافة الجزائريين والمغاربة (وهو جوهر الاستشراق).


بقلم الأستاذ عبد النور خالد  


هل اعجبك الموضوع :

تعليقات