القائمة الرئيسية

الصفحات

الآن، بإمكانكم إرسال الفقرات والأعمال الابداعية التي ينجزها تلاميذكم ونحن نتكفل بنشرها في موقعنا

 



مقال الأستاذة عكوشي سعاد عبر صحيفة «أخبار اليوم»، العدد 4828، الصادر يوم الاثنين 26 رمضان 1444 هـ الموافق 17 أبريل 2023 م، الصفحة رقم 13.

*****

المسجد حصن منيع يشغل الأطفال بالعِلم والمعرفة ويربيهم على محاسن الأخلاق

أ. سعاد عكوشي


     ظاهرة تردّد الأطفال على المساجد –في الأحوال العادية- ظاهرة صحية، تدعو إلى التفاؤل، وتحتاج إلى توجيه واستثمار؛ فكلّنا نرى كيف أضحى من العسير في زمن الإلهاء والإغواء أن تُقنِع طفلا بالصّلاة؟، فضلا عن إقناعه بالمحافظة عليها في المسجد، ونسمع عن آباء تذرف قلوبهم دموع الحسرة على أبنائهم الذين يسلكون كلّ طريق غير طريق المسجد، ويجدون الوقت لكل شغل غير الصّلاة، ويتمنّى الواحد من هؤلاء الآباء لو يجد ما من يعينه على أبنائه ليتعلّقوا بالصّلاة والمساجد.

     وفي مساجد كثيرة يتعامل المصلون خاصة كبار السن مع الأطفال على أنهم شياطين، لا هم لهم سوى اللعب واللهو والتشويش على المصلين، حيث يتذكر الكثير منا عند ما كان يافعا يرتاد المسجد تعنت الكبار وسوء معاملتهم لنا ذلك الوقت، بداية من نظرات الازدراء في أحسن الأحوال، والطرد في أسوإها، وبخاصة في رمضان، حينما يضرب المساجد الزحام.. والإنصاف يقتضي منا عدم التعميم لأن هناك صنفا اخر من الأطفال على درجة من الاحترام والأدب، يصلون في سكينة، وينضمون إلى حلقات الذِّكر والحفظ بانتظام، ومع ذلك يجدون معاملة فظة من طرف الكبار، ناسين تعب آبائهم في تربيتهم على حب المساجد.. فقد يبدر من بعض الصغار تصرفات يمكن إصلاحها بتعليمهم آداب المسجد بالابتسامة والموعظة الرقيقة.. مع التنبيه إلى أن المسجد مكان للعبادة ولا يليق به أن تنقل إليه أخلاق الشارع والسوق.. هذه الحقيقة ينبغي أن يتعلمها حتى الكبار الذين يرفعون أصواتهم بأحاديث الدنيا.. ويشوشون على الذاكرين والمصلين.


ومثل هذه المواقف جارحة مريرة الوقع على قلوب الأطفال، لا يمحو أثرها مرور السنين، والمرات التي حرموا فيها الصف الأول أو طردوا لمجرد أنهم صغارا، لا أحسبها تنسى.

  إن المسجد هو مدرسة الطفل الأولى، فقبل أن يذهب إلى المدرسة لتعلم الحروف والأرقام يذهب للمسجد للصلاة مع والده، وتذهب الفتاة الصغيرة مع أمها لسماع درس ديني أو لتحفظ القرآن.

فالمسجد الذي هو محضن التربية ومدرسة التهذيب وواضع اللبنة الأولى لدين الله في قلوب هؤلاء الفتيان الصغار، صار في أنفسهم كالحمى يحيطه جدار عظيم يعلوه سياج شائك يحرم عليهم تخطيه أو الاقتراب منه.. ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة، فقد كان مسجده لا يخلو من الصبيان أبدا، وهذا الحسين رضي الله عنه صبي يرتحل ظهر رسول الله وهو يصلي بالناس فيطيل السجود حتى يقضي الحسين حاجته وينزل.

وكان صلى الله عليه وسلم أحلم وأرفق ما يكون بالصغار يلعب معهم ويوجههم ويعلمهم ويربيهم بالرفق حينا والحزم حينا، يرفع من قدرهم ويحملهم المسؤوليات ويكلفهم بالمهمات، حتى إذا ما شبوا كانوا أسامة بن زيد وعبد الله بن الزبير.

إن اصطحاب الطفل المميز إلى المسجد ضرورة في زمان صار أطفالنا فيه عرضة لهجمات ممنهجة تريد تشويه أخلاقهم وعقيدتهم.

نحن في جوف معركة الوعي، وهي حرب حقيقية، والمتخاذل فيها مهزوم.. إما أن نكون قدوة لأطفالنا فننقذهم، أو نتركهم للشاشات وقاعات الألعاب والملاهي والشوارع فيضيعوا ويضيع أمل الأمة فيهم.

لطالما كانت المساجد مصانع الرجال، فالمسجد محضن تربوي ذو أثر عظيم يحافظ على الفطرة وينمي الموهبة ويربط النشء بربه، ويطبع فيه المثل والقيم والصلاح بتأثير من الصالحين من رواد المساجد من خلال المشاهدة والقدوة. ومعلوم أن الطفل يكتسب الصفات التي يراها وتتردد عليه باستمرار، فيكتسب معالي الأخلاق ويتصف بأجمل الصفات، فخير الناس هم أهل المساجد، وهم أهل القرآن، أهل الذكر والدعاء.

وترى الطفل وهو ينظر إلى الصفوف المرصوصة بانتظام، ويرى حركة المصلين المنتظمة، فترتسم في نفسه معالم النظام وترتيب الحياة، ويعلم –أيضاً- الطريقة المثلى للتعامل مع الناس؛ لأنه قد اختلط بهم، واستفاد من النظر إلى تصرفاتهم، ويرى طاعة المأموم لإمامه، واحترام الصغير للكبير، ومما يكتسبه –أيضاً- الشجاعة وترك الخوف لكثرة ما يلقى الرجال ويشاركهم في أفعالهم.

ومن أبرز ما ينطبع على مشاعر الطفل؛ هو الشعور بالمجتمع المسلم، ووحدة الأمة من خلال مجتمع المسجد الصغير الذي يظهر فيه الحب والإخاء.

ويتعلم الطفل القراءة الصحيحة، وتذوق الآيات القرآنية وتدبرها، مع تعلمه ما يسمعه من الآيات والأحاديث، والفقه والعقيدة، وغيرها من علوم الشريعة، ويحفظ الطفل في بيوت الله من أهل الشر والفساد، ممن خاضوا لجج المعاصي والشهوات، فإذا بالمسجد كالحصن الحامي، يشغل الأطفال بالعلم والمعرفة، ويربيهم على معالي القيم، ومحاسن الأخلاق.


*****

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات