القائمة الرئيسية

الصفحات

الآن، بإمكانكم إرسال الفقرات والأعمال الابداعية التي ينجزها تلاميذكم ونحن نتكفل بنشرها في موقعنا

المسلسلات التاريخية التركية، حقيقتها وتطابقها مع الواقع.

 




بقلم البروفيسور المتخصص في التاريخ العثماني "أ. د. محمد دراج"

حول المسلسلات التاريخية التركية 

المسلسلات التاريخية وغيرها تبقى هادفة إلى التسلية والامتاع والاثارة. صحيح بعضها يهدف إلى توجيه المشاهد البسيط الأمي أو قليل التعليم أو المراهق الذي تستهويه مشاهد  الإثارة. وطبيعي أن المشاهد الذي يحس بالظلم والقهر تستهويه مشاهد الرجولة و الانتصار للمظلوم. والفتاة التي تعيش قصة حب او عاشتها ثم اصيبت بخيبة الفشل في الاحتفاظ بالحبيب تستهويها المشاهد المماثلة التي تتقاطع مع بعض تفاصيل قصتها... كل هذا صحيح لا ريب فيه.

لكن الأفلام التاريخية التركية لدي عليها ملاحظات أود التنويه بها. ليس لأنني ناقد سينمائي إنما لكوني مشاهد مثل غيري. أشاهد المسلسل في نسخته الأصلية التركية وليست المدبلجة، واعرف بعض الممثلين من خلال ما هو شائع ومعروف عنهم لدى الرأي العام التركي مما يعترفون به هم أنفسهم في وسائل الإعلام أو مما تنشره أو تعرضه عنهم هذه الأخيرة.

1. معظم المسلسلات التركية غير التاريخية لا تعكس إطلاقا ولو جزءا يسيرا من حقيقة المجتمع التركي. إنما تعبر عن ثقافة أقلية قليلة جدا. كثير منهم ذوي توجهات علمانية لو يسارية أو ليبرالي. فليس صحيحا ان العائلات التركية تستبيح شرب الخمر في البيوت، أو أن الوالد يرضى بتاخر بناته حتى ساعات متأخرة من الليل لتأتي مع حبيبها في سيارته. ثم ينزلها أمام بيته عائلتها ثم يقبلها أمام أهلها كما تفعل بنات الروم. ومن تفعل ذلك فهي فتاة شاذة تنتمي إلى عائلة موغلة في الشذوذ تماما مثلما هو في كل المجتمعات العربية والإسلامية. وليس صحيحا ان العلاقات العائلية التركية قائمة على التآمر والخيانة وغير ذلك مما تحاول تلك المسلسلات عرضه لاجل الإثارة ودفع المشاهد إلى الانتظار بلهفة ما سوف يحدث في الحلقة الموالية. وليس صحيحا ان الكثير من الفتيات يعشن لوحدهن في شقة مستقلة تدعو إليها عشيقها جهارا نهارا على نحو ما تعرضه تلك المسلسلات... فالعائلات التركية في عمومها محافظة جدا مثل العائلات العربية و المسلمة. تستهجن كل ما نستهجنه والجيران في العمارة ينكرون مثل هذه الحوادث ان حدثت في إحدى شقق العمارة. تماما مثلما ننكره نحن في عماراتنا. وكثير منهم. يقدمون شكاوى للشرطة ضد من يفعل ذلك. باعتباره يخل بالاداب العامة ويشكل ازعاجا واحراجا للجيران . والمسلسلات فعلا تفتقر إلى الشرف والمسؤولية الأخلاقية لأنها توحي لمن لا يعرف المجتمع التركي انه على نحو ما يشاهده الناس في تلك المسلسلات. 

2. معظم الممثلين و الممثلات المعروفين بالوسامة والجمال عارضو ازياء وعطور ومساحيق وغيرها من أدوات الزينة والماكياج لدى شركات تركية و اجنبية أو مشتركة. وعليه ليس صحيحا ان كل الفتيات التركيات والشباب الأتراك على ذلك القدر من الجمال. ففيهم مثلما في غيرهم الجميل والمتوسط والقبيح والبشع.. 

3. المسلسلات التركية بما في ذلك التاريخية منها تمولها العديد من الشركات بشكل تساهمي. يصل بعضها إلى أكثر من 10 شركات. وتلك الشركات ليس لها علاقة لا بالاعلام ولا بالدعاية للعثمانيين كما يتوهم المشاهد العربي . فهي شركات صناعية بعضها في تعمل في مجال الأزياء وأخرى في العطور وثالثة المقاولات وهكذا. وتظهر شعارات الشركات في نهاية كل حلقة. والقنوات العربية تقوم بحذف شعارات تلك الشركات لكي لا تقوم بالدعاية مجانا. وهدف الشركات الممولة للمسلسل هو الربح المالي وليس اي شيء آخر.

4. بعض أصحاب المسلسلات سواء كتاب السيناريو أو المنتجون أو الممولون أو الممثلون  الذين يقومون بأدوار أساسية في تلك المسلسلات بعيدون كل البعد عن الإسلام وان كانوا مسلمين اسما. ولا يلتزمون بأدنى قواعد الدين. إذ أن بعضهم يجاهر بالفطر في رمضان ويشرب الخمر ويعرض نفسه أمام كاميرات التصوير في البارات والملاهي. وكثير منهم كارهون للدولة العثمانية معادون لها. وينتقدونها علنا أمام الشاشات وفي الصحف. طبعا لا يفعلون ذلك أثناء التمثيل لئلا يؤثر ذلك على نسبة المشاهدة. وأشهر هؤلاء الممثل الذي قام بدور سليمان القانوني فهو معروف على نطاق واسع انه كان مؤيدا بقرارات 28 شباط 1998 القاضية يمنع الحجاب. وشارك في تجمع بميدان تقسيم مع عدد من الفنانين معارضين لبناء جامع تقسيم في الميدان. والحمد لله بني الجامع بعد 20 سنة رغم أنف الجميع. وبطل مسلسل عثمان الذي يعرض حاليا عارض ازياء كثيرا ما تم تصويره مع عشيقته أو عشيقاته في الملاهي الليلية وبشكل علني. وليس هو فقط بل عدد من الممثلين والممثلات الرئيسيين في نفس المسلسل. اذكر هذا ليس تشويها لهم أو تشهيرا بهم. فهم يعرضون أنفسهم على الكاميرات و الشاشات في الملاهي الليلية والممثلات بالبيكيني في الشواطئ مع عشاقهن.. فهو ليس سرا يفشى. 

5. كثيرا ما يصرح كاتب السيناريو في بداية المسلسل بأن المسلسل لا يعبر عن حقائق تاريخية. إنما يستوحي أحداث المسلسل من وحي الخيال. ويقوم بإسقاط ذلك الخيال على الفترة التي تجري فيها أحداث المسلسل. يستثنى من ذلك الأحداث الكبرى التي ترد في المسلسل والتي يعرفها اي شخص يملك أدنى قدر من الثقافة التاريخية التي تتحدث عن تلك الفترة. 

6. هذا التصريح من المنتج اعتبره تبرئة ذمة منه لكي لا يتهم بتزوير التاريخ. ومع ذلك لا ينجو من النقد. وهذا من حق النقاد طبعا. للأسف القنوات العربية تقوم بحذف هذا التصريح ولا تقوم بترجمته لكي تضع المشاهد في الصورة. و تجعل المشاهد يكتفي بالاستمتاع بالمسلسل دون أن يجعل منه مرجعا ياخذ منه معلوماته وقناعته التاريخية. وبصراحة لا أفهم لماذا لا تقوم العربية التي تعرض المسلسل بنشر تلك التبرئة التي ينشرها المنتج الأصلي ويعرضها في كل حلقات المسلسل. 

7. اخيرا: المسلسلات التاريخية التركية أو غير التركية لا يمكن ابدا اعتبارها مرجعا علميا للأسباب التالية:

ا. هذه مسلسلات ترفيهية وليست تعليمية ومواجهة للاستهلاك العام لغرض ترفيهي وربحي تجاري محض. 

ب. لا يذكر اي منتج للمسلسل اي مرجع علمي اعتمد عليه في انتاج المسلسل وتوثيق احداثه 

ج. لا يوجد أي مستشار تاريخي من أساتذة الجامعات أو الباحثين المختصين ذكر اسمه في المسلسل مثلما يحدث ذلك في الأفلام الوثائقية التي توثق معلوماتها

د. كاتب السيناريو ومعد النص ليس مؤرخا ولا هو استعان بمؤرخ. بل حاطب ليل يضع البيض كله في سلة واحدة لغرض فني وليس لغرض علمي. 

ه. تحجج المنتجين دائما بأنهم فنانون ويقومون بعمل فني فقط. وبالتالي ليس من حق النقاد محاسبتهم على محتوى المسلسل بل لهم الحق فقط انتقاد الجانب الفني ونسبة المشاهدة والجوائز التي يحصل عليها في المهرجانات الدولية. 

اخيرا: 

مادام المنتج وكاتب السيناريو يتبرءان من المسؤولية العلمية للمسلسل ويصرح بأن عمله محض خيال مستوحى من الفترة التاريخية، على المشاهد ان يكتفي بالاستمتاع بالمشاهدة. واذا أراد معرفة الأحداث الحقيقية عليه أن يقرأها من مراجعها الموثوقة والمعتمدة. ولا ياخذ معلوماته من هذه المسلسلات وينتقدها كما لو أنها برامج علمية موثوقة وقد تبرأ منتجوها من صدقية محتواها... 

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات